في ٢ أغسطس ١٩٩٠، شنّ العراق هجوماً مفاجئاً على الكويت واحتلّها في غضون ساعات. وأثار هذا الغزو ردود فعل دولية وإقليمية واسعة، وأدّى إلى نشوب حرب الخليج الثانية التي استمرّت حتى تحرير الكويت في ٢٨ فبراير ١٩٩١. ولكن ما هي الأسباب التي دفعت العراق إلى اتخاذ هذه الخطوة المصيرية؟ وما هي المبرّرات التي استند إليها لتبرير قراره؟
الأسباب الاقتصادية: بحث عن المال والنفط
كان العراق يعاني من أزمة اقتصادية خانقة بعد انتهاء حربه مع إيران التي استمرّت ثماني سنوات (١٩٨٠-١٩٨٨) والتهمّت موارده وديونه. فقد بلغت تكلفة الحرب حوالي ٢٥٠ مليار دولار، وكان العراق مديناً لدول عربية وأجنبية بمئة مليار دولار، كان يضطر إلى دفع فوائد عالية عليها. ولم يساعد انخفاض أسعار النفط في أوائل التسعينات على تحسين وضعه المالي، بل على العكس، زاد من عجزه التجاري والموازني.
ولقد كان النفط المصدر الرئيسي للدخل للعراق، والذي كان يستثمره في بناء قوّته العسكرية. وكان يطالب منظمة أوبك بزيادة سعر برميل النفط إلى ٢٥ دولاراً، وخفض حصص الإنتاج لزيادة الطلب. غير أنّ بعض دول المنظمة، خصوصاً الكويت والإمارات، لم تلتزم بهذه السياسة، وزادت من إنتاجها للاستفادة من حصتها في السوق. فانخفض سعر برميل النفط إلى ١٣ دولاراً في يوليو ١٩٩٠، ممّا أثّر سلباً على دخل العراق.
وكان لديه شكوى أخرى ضدّ الكويت، وهي أنّها تستخدم تقنية حفر مائلة للاستيلاء على نفط حقول رميلة التابعة للعراق. واتّهمها بأنّها تسرق نفطه، وطالبها بتعويضه ب١٤ مليار دولار. وكان يرى في الكويت مصدراً للثروة والنفط الذي يحتاجه لسدّ حاجاته وسداد ديونه.
الأسباب السياسية: بحث عن القوة والنفوذ
كان العراق يسعى إلى تعزيز دوره ومكانته في المنطقة والعالم، ويطمح إلى أن يكون قوّة إقليمية لا يُستهان بها. وكان يرى في نفسه زعيماً عربيّاً قادراً على تحقيق الوحدة والتحرير من التبعية والتدخل. ولقد استغلّ الفراغ السياسي الذي خلّفه انهيار الاتحاد السوفياتي، والتغييرات التي شهدتها أوروبا الشرقية، والانشغال الأمريكي بقضايا أخرى، لتنفيذ مخططاته.
ولم يجد صدام حسين مانعاً أمام طموحاته، فلقد كان يعتمد على قوّته العسكرية التي بناها على مدى سنوات. فقد كان يملك جيشاً ضخماً يضمّ نحو مليون جندي، وآلاف الدبابات والطائرات والصواريخ. كما كان يسعى إلى امتلاك أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية. وكان يستخدم هذه القوّة لترهيب جيرانه، وتحقير خصومه، وإظهار شجاعته.كما لم يجد صدام حسين تأييداً أو معارضة صريحة من جانب الولايات المتحدة، التي كانت تتبع سياسة متذبذبة تجاهه. فلقد كانت تعتبره حليفاً ضدّ إيران في حربه معها، وتزوده بالأسلحة والمخابرات. غير أنّها كانت تخشى من نفوذه المتزايد في المنطقة، وتحذّره من انتهاك حقوق الإنسان والأمن الإقليمي. فلم يستطع صدام حسين قراءة الموقف الأمريكي بشكل صحيح، وظنّ أنّ لديه مجالاً للتصرف كما يشاء.
ولم يجد صدام حسين ايضاً دعماً أو رفضاً واضحاً من جانب العالم العربي، الذي كان مشتتاً وضعيفاً. فلقد كان هناك انقسام بين دول عربية مؤيّدة للعراق، مثل الأردن والسودان والجزائر، التي كانت تروج لفكرة الوحدة العربية، ودول عربية معارضة للعراق، مثل السعودية ومصر وسوريا، التي كانت تخشى من تهديده لأمنها واستقرارها. وكانت جامعة الدول العربية غير قادرة على توحيد موقفها أو تنفيذ قراراتها. وكان صدام حسين يستغل هذه الضعف والتناقضات لتحقيق مصالحه.
الأسباب الاجتماعية: بحث عن الهروب من الأزمة الداخلية
كان العراق يواجه أزمة اجتماعية ناجمة عن سنوات الحرب والعزلة والقمع. فقد كان المجتمع العراقي متشظّياً بين طوائف وأقليات وأحزاب متنافسة، كان يسوده الخوف والشك والتبلد. وكانت الدولة تفرض سيطرتها على جميع جوانب الحياة، وتمارس العنف والتعذيب والإعدام على المعارضين والمخالفين. وكانت حرية التعبير والتنظيم والتجمّع محظورة، وكانت حقوق الإنسان مهضومة.ولقد كان المجتمع العراقي يعاني من التدهور المعيشي، فقد كان نصف السكّان يعيشون تحت خط الفقر، وكان هناك نقص في المواد الغذائية والطبية والخدمات الأساسية. وكان هناك ارتفاع في معدلات البطالة والهجرة والجريمة. وكان هناك تفشّي للأمراض والأوبئة، خصوصاً بين الأطفال والنساء.
ولقد كان المجتمع العراقي يشهد حالة من التسلّح والعسكرة، فقد كان نسبة كبيرة من السكّان تعمل في القطاع العسكري، أو تشارك في حروب خارجية أو داخلية. فقد كان العراق يشتري ١٠% من إجمالي الأسلحة التي تُباع في العالم، وكان يصرف ٢٥% من إجمالي ناتجه المحلي على المصروفات الدفاعية. فضلاً عن ذلك، كانت هناك خدمة عسكرية إجبارية للشباب، تستغرق سنوات طويلة.
ولذلك، كان صدام حسين يحاول تحويل انتباه شعبه عن مشاكله المحلية، بإشغاله بقضايا إقليمية أو قومية أو دينية. فكان يستخدم خطابات التحدي والثأر والفخر، لإثارة مشاعر الوطنية والإخلاص لديه. كما كان يستخدم سلاح التضامن مع المظلومين أو المستضعفين في المنطقة، لإظهار دوره القيادي والإنساني. وكان يستخدم سلاح الحرب كوسيلة للتوحيد والتنظيم والتحرير.
المبرّرات الايديولوجية
لم يكتفِ صدام حسين بذكر الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لغزوه للكويت، بل حاول أن يجد مبرّرات ايديولوجية تُعطي مغزى وشرعية لقراره. فقد استند إلى مجموعة من المفاهيم والمبادئ والأهداف التي تناسب رؤيته ومصلحته.
المبرّرات الوطنية: بحث عن التاريخ والجغرافيا
زعم صدام حسين أنّ الكويت جزء من العراق، وأنّها انفصلت عنه بفعل الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر. وأنّه يسعى إلى إعادة الوحدة التاريخية بين البلدين، وإصلاح الخطأ التاريخي. كما زعم أنّ الكويت تقع ضمن حدود العراق الجغرافية، وأنّه يحق له الدفاع عن سيادته وأمنه. كما زعم أنّ الكويت تضطهد شعبها، وأنّه يحاول تحريره من الظلم والاستبداد.
المبرّرات القومية: بحث عن الوحدة والتحرير
ادّعى صدام حسين أنّ غزوه للكويت خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية، التي كان يروج لها كهدف استراتيجي. وأنّه يمثل رغبة الشعب العربي في التضامن والانتماء. كما ادّعى أنّ غزوه للكويت جزء من مشروع التحرير العربي من التبعية للقوى الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة. وأنّه يقود مقاومة عربية ضدّ التدخل والاستغلال.
المبرّرات الدينية: بحث عن المذهب والشرائع
ادّعى صدام حسين أنّ غزوه للكويت دفاع عن المذهب السُّنِّي، الذي كان يتبعه هو وأغلبية شعبه، ضدّ المذهب الشِّيعِي، الذي كان يتبعه إيران وجزء من شعب الكويت. وأنّه يحارب من أجل حفظ هُوِية المذهب وسُلْطَانِه. كما ادّعى أنّ غزوه للكويت تطبيق لشرائع الإسلام، التي تأمر بالجِهَاد في سبيل الله، وتحظُر على المسلم أخذ مال أخيه المسلم.
No Comment! Be the first one.