الفحم هو مادة صلبة غنية بالكربون تتكون من تحجر بقايا النباتات على مر العصور. يستخدم الفحم كوقود لإنتاج الطاقة والحرارة في مختلف المجالات، مثل الطهي والصناعة والزراعة. كما يستخدم الفحم في صناعة بعض المواد الكيميائية والألياف والسيليكون. تاريخ الفحم يعود إلى قرون قديمة، حيث استخدمه الإنسان في الإضاءة والتدفئة والطبخ. في العصور الحديثة، ازداد استخدام الفحم بشكل كبير مع ظهور الثورة الصناعية وتطور المحركات البخارية والأفران الصهرية.
نشأة الفحم
الفحم هو صخر رسوبي يتكون أساسا من الكربون، بالإضافة إلى كميات متغيرة من الهيدروجين، الأكسجين، النيتروجين، الكبريت والمعادن. يعتقد العلماء أن تشكل الفحم منذ حوالي 300 مليون سنة، عندما كانت الأرض مغطاة بغابات مستنقعية ضخمة. عندما ماتت هذه النباتات، سقطت في المستنقعات وتغطت بالطبقات المائية والطينية، مما أوقف عملية التحلل. بمرور الزمن، زاد الضغط والحرارة على هذه الطبقات، وأدى إلى تغيرات كيميائية وفيزيائية في المادة النباتية. تخلصت هذه المادة من جزء كبير من الأكسجين والهيدروجين، وزادت نسبة الكربون فيها. هكذا تحولت المادة النباتية إلى فحم بعد ملايين السنين.
تاريخ استخدام الفحم
يعود تاريخ استخدام الفحم إلى آلاف السنين، حيث وجدت آثار لاستخدامه في الصين والرومان والحضارات القديمة. في العصور الوسطى، كان الفحم يستخدم في التدفئة والطبخ والحدادة. في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ازداد الطلب على الفحم بسبب نقص الخشب وزيادة التجارة والتنقل. في القرن الثامن عشر، بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا، وكان للفحم دور محوري في تشغيل المحركات البخارية والآلات والمصانع. في القرن التاسع عشر، انتشر استخدام الفحم في أوروبا وأمريكا وآسيا، وأصبح مصدرا رئيسيا للطاقة في العالم. في القرن العشرين، ظهرت مصادر بديلة للطاقة مثل النفط والغاز والطاقة النووية، وانخفض استهلاك الفحم نسبيا. في القرن الحادي والعشرين، ما زال الفحم يستخدم في توليد الكهرباء والصناعة، لكنه يواجه تحديات بسبب المشاكل البيئية والتغير المناخي.
الخصائص
الفحم له خصائص فيزيائية وكيميائية مختلفة تحدد استخداماته وقيمته. بعض الخصائص الفيزيائية للفحم هي:
- اللون: يتراوح لون الفحم من الأسود إلى البني إلى الأحمر، حسب نوعه ورتبته. عادة ما يكون الفحم الأسود أعلى رتبة وأكثر نقاءً من الفحم البني أو الأحمر.
- المظهر: يمكن أن يكون شكل الفحم متجانساً أو متغايراً، حسب تركيبه ونسيجه. بعض أنواع الفحم لها شرائط أو عروق تظهر تباين المكونات. بعض أنواع الفحم لها بريق معدني أو زجاجي، بينما أنواع أخرى لها مظهر مات أو باهت.
- الملمس: يمكن أن يكون ملمس الفحم ناعماً أو خشناً، حسب حجم حبيباته وصلابته. بعض أنواع الفحم سهلة التفتت والانكسار، بينما أنواع أخرى صلبة ومقاومة للضغط.
- الكثافة: تعبر كثافة الفحم عن كتلته بالنسبة لحجمه. كلما زادت نسبة الكربون في الفحم، كلما زادت كثافته. عادة ما يكون الفحم خفيفاً إلى متوسط الكثافة، حيث يزن بين 1.1 إلى 1.8 جرام لكل سنتيمتر مكعب.
أنواع الفحم
الفحم هو مصدر طاقة حيوي يشتهر بتنوعه وتعدد أنواعه. تتنوع أنواع الفحم بناءً على التكوين الجيولوجي وظروف التكوين، وهذا يؤثر على خصائصه واستخداماته. فيما يلي نظرة عامة على أهم أنواع الفحم:
الفحم الحجري
الفحم الحجري هو صخر رسوبي لونه أسود أو بني، يتكون من بقايا نباتات ومواد معدنية، قابل للاحتراق وإعطاء طاقة حرارية. والفحم الحجري أكثر أنواع الوقود الأحفوري انتشاراً في القشرة الأرضية. ويتواجد الفحم الحجري على شكل طبقات مع أنواع أخرى من الصخور الرسوبية، كالحجر الرملي والحجر الطيني. ويتواجد في الفحم الحجري بقايا أوراق نباتات وخشبها وحتى جذورها. يحتوي الفحم الحجري على نسبة تتراوح بين 50% إلى 90% من الكربون.
تكوّن الفحم الحجري نتيجة لعملية التفحم، التي تستغرق ملايين السنين، وتتأثر بعوامل مثل درجة الحرارة والضغط والزمن. تبدأ عملية التفحم بسقوط كميات كبيرة من النباتات في المستنقعات، وتراكُمها في قاعها، ثم تدفن سريعاً مع الرسوبيات الأخرى كالرمل والطين. تتحلل المادة العضوية في هذه المستنقعات جزئياً بفعل بكتيريا لاهوائية، فتزداد فيها نسبة الكربون وتفقد منها الأكسجين والهيدروجين. تسمى هذه المادة المتحللة جزئياً بالخث (peat)، وهي تشبه التُّراب أو المُخَلَّفات.
فحم نباتي
الفحم النباتي هو عبارة عن بقايا كربونية ورمادية متبقية من حرق النباتات في ظروف خالية من الأكسجين أو قليلة جداً. يستخدم هذا النوع من الفحم في عدة مجالات، مثل التدفئة والطهي والشواء وصناعة المعادن والزجاج. يتم صنع فحم نباتي باستخدام أشجار مثل: التَّّورِّانِ (Tamarind)، المِشمِش (Mishmish)، الخَوخ (Peach)، الجَوافة (Guava)، اللَّيمون (Lemon)، والبرتقال (Orange).
يتميز فحم نباتي بسهولة اشتعاله واستمراره في الحرق لفترة طويلة، كما أنه ينتج عنه قليل من الدخان والرماد. ولكن هذا النوع من الفحم يحتاج إلى مساحات كبيرة من الأراضي لزراعة الأشجار المستخدمة في صنعه، ويسبب تلوثاً للبيئة بسبب انبعاث غازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.
فحم مضغوط
الفحم المضغوط هو الفحم المصنّع من مخلفات الفحم الحجري، مثل الغبار والقطع الصغيرة، التي تتشكل أثناء عملية استخراجه أو نقله أو تخزينه. يتم تحويل هذه المخلفات إلى قطع متجانسة بأشكال مختلفة، مثل المكعبات أو الأسطوانات أو الأقراص، بواسطة آلات خاصة تضغطها بقوة عالية. يستخدم هذا النوع من الفحم في المدافئ والمراجل والمولدات الكهربائية.
يتميز الفحم المضغوط بأنه يستغل المخلفات التي قد تُشكِّل خطراً على الصحة أو البيئة، كما أنه يحتوي على نسبة عالية من الكربون والطاقة، وينتج عنه قليل من الدخان والرماد. ولكن هذا النوع من الفحم يحتاج إلى تكاليف عالية لإنتاجه وتخزينه، ويسبب تلوثاً للبيئة بسبب انبعاث غازات مثل ثاني أكسيد الكبريت.
فحم نفطي
فحم نفطي أو كما يسمى بالفحم الأسود الكربوني هو نوع من الفحم يتكون من خلط فحم حجري مسحوق مع زيت نفطي سائل، ثم تشكيله إلى قطع صغيرة. يستخدم هذا النوع من الفحم في صناعة المطاط والأصباغ والأدوية والورق والأقمشة. يتم صنع فحم نفطي باستخدام آلات خاصة تضغط المزيج بقوة عالية.
يتميز فحم نفطي بأنه يستغل زيت نفطي رخيص أو مستهلك، كما أنه يحتوي على نسبة عالية من الكربون والطاقة، ولا ينتج عنه دخان أو رماد. ولكن هذا النوع من الفحم يحتاج إلى تكاليف عالية لإنتاجه ونقله، ويسبب تلوثاً للبيئة بسبب انبعاث غازات مثل ثاني أكسيد النيتروجين والهيدروكربونات.
فحم حيواني
الفحم الحيواني هو نوع من الفحم يتكون من بقايا عظام وقرون وأظافر وشعر الحيوانات، التي تتعرض لعملية التحميص في أفران خاصة، بدون وجود هواء. يستخدم هذا النوع من الفحم في صناعة الأسمدة والأدوية والمستحضرات التجميلية والألعاب النارية. يتم صنع فحم حيواني باستخدام آلات خاصة تحول البقايا الحيوانية إلى قطع صغيرة، ثم تسخنها في درجات حرارة عالية.يتميز الفحم الحيواني بأنه يستغل مخلفات الذبائح والجلود، كما أنه يحتوي على نسبة عالية من الفسفور والكالسيوم والنتروجين، ولا ينتج عنه دخان أو رماد. ولكن هذا النوع من الفحم يحتاج إلى تكاليف عالية لإنتاجه وتخزينه، ويسبب رائحة كريهة أثناء التحميص.
انواع اخرى من الفحم
- الفحم البني: الفحم البني هو أحد أنواع الفحم الأقل نضجًا، وهو يحتوي على نسبة منخفضة من الكربون.ويستخدم بشكل رئيسي لتوليد الكهرباء في بعض المناطق بسبب توفره بكميات كبيرة.ويعتبر أقل فعالية من حيث الطاقة مقارنة بأنواع أخرى.
- الفحم الخشبي: هو أضعف أنواع الفحم، وأقلها كثافة وأكثرها رطوبة. يحتوي على حوالي 25-35% من الكربون، و10-45% من الماء. يستخدم في التدفئة المنزلية وإشعال النار.
- الفحم البتومي: هو نوع شائع من الفحم، يستخدم في توليد الكهرباء وصناعة المواد الكيماوية. يحتوي على حوالي 45-86% من الكربون، و5-15% من الماء. يصدر كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون عند احتراقه.
- الفحم التحول: هو نوع أقوى من الفحم، يستخدم في صهر المعادن وإنتاج فحم الكوك. يحتوي على حوالي 86-98% من الكربون، و1-2% من الماء. يصدر كمية أقل من غاز ثاني أكسيد الكربون عند احتراقه.
- الألماس: هو أنقى وأصلب أنواع الفحم، يستخدم في الصناعات الدقيقة والمجوهرات. يحتوي على حوالي 99% من الكربون، وأقل من 1% من الماء. لا يصدر غاز ثاني أكسيد الكربون عند احتراقه.
- الفحم الرخامي: هو نوع من الفحم يحتوي على نسبة عالية من الكربون (86-98%) ونسبة منخفضة من الماء والرماد والغازات. يستخدم الفحم الرخامي في صناعة الصلب والألومنيوم والزجاج.
- الأنثراسيت: هو أعلى أنواع الفحم رتبة وأندرها. يحتوي على نسبة عالية جداً من الكربون (98-100%) ونسبة قليلة جداً من الماء والرماد والغازات. يستخدم الأنثراسيت في التدفئة المنزلية والصناعية.
اهم استخدامات الفحم
- الفحم كمصدر للطاقة: الفحم كان لفترة طويلة المصدر الرئيسي للطاقة في العالم. تُحرق الفحم لإنتاج الحرارة، وتُستخدم هذه الحرارة لتوليد البخار، الذي بدوره يُستخدم لتشغيل محركات البخار في محطات توليد الكهرباء والصناعات.
- الفحم في صناعة الصلب: الفحم يلعب دورًا حاسمًا في صناعة الصلب. يتم استخدام الفحم كمصدر للحرارة لتسخين خام الحديد في أفران الصهر. هذا العملية تساعد في فصل الحديد من خامه وإنتاج الصلب.
- الفحم كمصدر للكهرباء: الفحم مصدر مهم لتوليد الكهرباء. في محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، يحترق الفحم لإنتاج البخار الذي يدير مولدات الكهرباء. هذه المحطات توفر تيارًا مستدامًا من الكهرباء للاستخدام المنزلي والصناعي.
- الفحم في تصفية المياه وتنقية الهواء: يُستخدم الفحم النشط كوسيلة لتصفية المياه وتنقية الهواء. يمكن استخدام الفحم النشط لإزالة الملوثات والشوائب من المياه والهواء من خلال عمليات الامتصاص والتحبيب.
- صناعة المواد الكيميائية: قطران الفحم، وهو سائل كثيف يتكون من مخلفات احتراق الفحم، يستخدم في تقطير المواد الكيميائية المختلفة، مثل زيت الكريوزوت، والنفثالين، والفينول، والأنيلين، والتي تستخدم في صناعة المطهرات، والأصباغ، والأدوية، وغيرها.
- صناعة المواد المتقدمة: الفحم يستخدم في إنتاج بعض المواد ذات التقنية العالية، مثل الكربون المنشط، وهو نوع من الفحم يتميز بسطح نشط كبير يستطيع امتصاص المواد الملوثة من الماء أو الهواء. كما يستخدم في إنتاج ألياف الكربون، وهي مادة قوية جداً وخفيفة الوزن تستخدم في صناعة المعدات الرياضية والطائرات. كذلك يستخدم في إنتاج معدن السيليكون، وهو عنصر شبه موصل يستخدم في صناعة الإلكترونيات والطاقة الشمسية.
آثار استخدام الفحم
إن استخدام الفحم له آثار سلبية على البيئة والصحة. من هذه الآثار:
- تلوث الهواء: يصدر حرق الفحم كمية كبيرة من غازات المختبرة مثل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأول أكسيد النيتروجين والجسيمات الصلبة. هذه الغازات تسبب التهابات في الجهاز التنفسي والعيون والجلد، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض مثل الربو والسرطان والتليف الرئوي. كما تؤثر على جودة الهواء وتقلل من مدى الرؤية.
- تغير المناخ: يساهم غاز ثاني أكسيد الكربون في زيادة تأثير الاحتباس الحراري، وهو ظاهرة ترفع درجة حرارة الأرض بسبب امتصاص الإشعاعات الشمسية المنعكسة من سطح الأرض. هذا يؤدي إلى تغيرات في نمط المناخ والطقس، مثل زيادة تكرار وشدة الجفاف والفيضانات والعواصف والحرائق. كما يؤدي إلى انصهار الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر وانقراض بعض الأنواع.
- تلوث الماء: يؤدي تعدين وغسيل وإزالة رماد الفحم إلى تلوث المياه بالمواد الكيماوية والمعادن والمواد المشعة. هذه المواد تهدد صحة المخلوقات الحية في الماء، وتقلل من جودة الماء للاستخدامات المختلفة مثل الشرب والزراعة والصناعة. كما تؤدي إلى تغير في درجة حموضة الماء وتآكل في التربة.
- ضرر صحي: يتعرض عمال المناجم لخطورة التعرض لغبار الفحم والغازات المسامية مثل الميثان وأول أكسيد الكربون. هذه المواد تسبب اختناقات وانفجارات وانهيارات في المناجم، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض مهنية مثل التهاب المفاصل والروماتيزم والإجهاد.
- تدمير الموائل: يؤدي استخراج الفحم إلى تدمير الموائل الطبيعية للحيوانات والنباتات، سواء على سطح الأرض أو تحته. هذا يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي والخدمات الإيكولوجية، مثل التلقيح والتحكم في التآكل. كما يؤدي إلى انخفاض قيمة المناظر الطبيعية.
الدول الأكثر إنتاجًا للفحم في العالم
هذه هي أكبر خمس دول منتجة للفحم في العالم، وهي تشكل حوالي 80% من إجمالي حجم الإنتاج:
- الصين: تحتل الصين المركز الأول في قائمة أكبر الدول المنتجة للفحم في العالم، إذ ساهمت بنحو 47% من الإنتاج العالمي للفحم في 2019، وأنتجت الدولة نحو 3.7 مليار طن فحم خلال ذلك العام.
- الهند: جاءت الهند في المركز الثاني بحجم إنتاج بلغ 783 مليون طن فحم في 2019، بما يمثل نسبة أقل بقليل من 10% من الإنتاج العالمي للفحم.
- الولايات المتحدة: انخفض إنتاج الولايات المتحدة من الفحم على مدى عدة سنوات، وبلغ 640 مليون طن في 2019، ويعد ذلك أدنى مستوى إنتاج للفحم منذ السبعينيات.
- إندونيسيا: زاد إنتاج إندونيسيا للفحم بنسبة 12% في عام 2019 مقارنة بعام 2018، واحتلت الدولة المركز الرابع بحجم إنتاج بلغ 616 مليون طن فحم.
- أستراليا: جاءت أستراليا في المركز الخامس بحجم إنتاج بلغ 550 مليون طن فحم في 2019، بما يمثل زيادة بنسبة 3.4% على أساس سنوي.
No Comment! Be the first one.