جاء دين الإسلام الحنيف بشريعة بيّنة وطريق واضح المعالم، وعقيدة ثابتة راسخة لا تميد مهما كَثُرت أنواع الكفر والشرك التي تناقضها وتتصيّدها، كما هي الحال اليوم.والمسلم لا يجب أن يكتفي بتعلّم دينه وشريعته فحسب، بل يجب أن يتعرّف على ما يُخرج الإنسان من ملة الإسلام من أجل أن يتجنبه ويتوخاه ويحذّر غيره منه، ولذلك سنتعرض في هذا المقال لأقسام الكفر وأشكاله.
أنواع الكفر الأكبر والأصغر
الكفر في الإسلام ينقسم إلى نوعين رئيسين؛ الكفر الأكبر والكفر الأصغر، وكلاهما ينقسمان إلى أشكال متعددة ويشتملان على صور متنوعة، كما أن حكم الكفر الأكبر يختلف بشكل كبير عن حكم الكفر الأصغر.
أنواع الكفر الأكبر
الشرك أو الكفر الأكبر هو الذي يُخرج الإنسان من ملة الإسلام تماماً ويجعله من الكافرين المستحقين للخلود في جهنم، وهو من أخطر أشكال الكفر، فهو ذنب لا يغفره الله أبداً، إلا لمن تاب وعاد عن خطئه وجدّد إيمانه قبل موته.قال الله تعالى عن هذا الكفر في سورة النساء: “إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ…”، وقد قسموه العلماء إلى بضعة أنواع:
- كفر الجحود: يعدّ الجحود من أعظم أنواع الكفر، فهو إنكار الإسلام ظاهراً رغم التصديق به والعلم بصحته باطناً، وقد ذكر الله أصحاب هذا الكفر في قوله: “وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ”.كفر الجحود له نوعان، الأول هو الإنكار التام لوجود الله تعالى أو شريعته، ومن أبرز أصحاب هذا الكفر هم فرعون وقومه الذين ذُكروا في القرآن، فقال الله: ” وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّ” وأيضاً أهل الكتاب الذين قال الله عنهم: “فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ”.أما النوع الثاني فهو الكفر الخاص، كالذي ينكر حكماً معيناً من أحكام الشريعة الثابتة، او صفة وصف الله بها نفسه، أو خبر أخبرنا الله عنه.
- كفر التكذيب: كفر التكذيب يكون عندما يتهم أحدهم رُسل الله وما جاءوا به بالكذب، سواء أظهروا ذلك أو أخفوه، وقد قال الله تعالى عن هؤلاء في كتابه: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَما جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ”.
- كفر الإعراض: الإعراض هو ترك الشيء فعلاً أو قولاً أو اعتقاداً، فصاحبه لا يلقي بالاً للدين، فلا ينتهي عند النهي ولا يعمل عند الأمر ولا يتعلم دينه في الأصل. وقد قال الله تعالى عن هؤلاء: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ”.
- كفر الاستكبار: قد يكون كفر الاستكبار من أقبح أنواع الكفر، فصاحبه يعلم أن ما جاءه من الله عن طريق الأنبياء هو الحق، لكنه يأبى التسليم لذلك، تكبّراً أو حسداً أو غروراً.من أبرز الذين كفروا بسبب تكبّرهم عن الحق هو إبليس الذي قال الله عنه: “إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ”، وأيضاً أبو طالب عمّ رسول الله ﷺ الذي رفض اتّباع الإسلام خشية أن يقال عنه إنه ترك دين آبائه وأجداده رغم يقينه بأن ابن أخيه ﷺ على حق.
- كفر النفاق: النفاق لغةً هو إظهار المرء خلاف ما يبطن، أما كفر النفاق، فالمقصود به هو اتباع شريعة الله ظاهرياً أمام الناس، غالباً من أجل مصلحة شخصية كالمديح أو المكانة أو الجاه، وقد قال الله عن هؤلاء: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ – يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”.
- كفر الشك: كفر الشك هو حالة عدم اليقين التام في كون ما جاءنا عن الله حق مطلق، والتردد في الأمر والشك فيه، لأن الإيمان المطلوب هو الإيمان اليقيني القطعي بما جاءنا عن رُسل الله.أشار القرآن الكريم لهذا النوع من الكفر في سورة الكهف في قوله: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً – وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً – قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً.”
- الكفر العملي والقولي: الكفر العملي والقولي يشتملان على بعض الممارسات التي تُخرج المرء من دائرة الإسلام والمسلمين، مثل السجود أو الذبح لغير الله، أو الاستهزاء بالله أو رسوله ﷺ أو شتمهما، فهذا كله كفر أكبر.
الكفر الأصغر
يعدّ الكفر الأصغر واحداً من كبائر الذنوب، وقد قال العلماء إنه ذنب أكبر من الزنا والقتل وشرب الخمر لأن الله قد سمّاه كفراً.من أبرز صور الكفر الأصغر هو الحلف بغير الله، ومحاربة المسلم لأخيه المسلم، ونسب أحدهم لغير أبيه، والنواح على المتوفى، وغير ذلك.
الفرق بين الكفر الأصغر والكفر الأكبر
قد ذكرنا في الأعلى أن الكفر الأكبر يُخرج المرء من ملة الإسلام تماماً، ويحرمه من رحمه الله تعالى يوم الحساب.أما الكفر الأصغر، فهو لا يُخرج المرء من الإسلام بالكامل، لكنه ذنب عظيم يجب اجتنابه، وله صور عديدة، الحلف بغير الله، ومحاربة المسلم لأخيه المسلم، ونسب أحدهم لغير أبيه، والنواح على المتوفى، وغير ذلك.
الوقاية من الوقوع في الكفر
الفوز العظيم والحقيقي لكل مسلم ومؤمن هو الفوز برضا الله تعالى ودخول جنته، ولذلك يجب على كل من يريد هذا الفوز،أن يقي نفسه من شر الكفر وأشكاله العديدة.أول ما يجب على المسلم ليقي نفسه هو الاتّكال على الله تعالى في ذلك، وطلب الهدى منه. كما توجد في السنة بعض الأدعية للاستعاذة من الكفر، مثل قوله ﷺ: “اللهم إني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ ، وَالْفُسُوقِ ، وَالشِّقَاقِ ، وَالنِّفَاقِ ، وَالسُّمْعَةِ ، وَالرِّيَاءِ”.أما ثانياً، وهو ليس بأقل أهمية من الأول، وهو طلب العلم من مصادره الصحيحة وبناء قاعدة إيمانية قوية، وقد حثّ الإسلام على طلب العلم بشكل كبير لا يخفى عن أحد.
الخاتمة
الوقوع في أي نوع من أنواع الكفر هو إخفاق كبير وخيبة شديدة، فالكلام هنا ليس عن خسارة شيء من المال أو الجاه أو القوة، بل عن خسارة جنة عرضها السماوات والأرض، لا دمع فيها يُذرف، ولا ألم يُعانى، ولا جهداً يُكابد، بل نعيم لا ينتهي وسعادة لا تُقطع.وفي المقابل، من يختار الكفر بدل الإيمان، والعصيان بدل الاستسلام، سيلقى في نار سقر، فلا ينتهي عذابه، ولا يتوقف ألمه.
No Comment! Be the first one.