يظن بعض الناس أن أقنعة الوجه (الكمامة) ،لم تستخدم إلا فى العصر الحديث ،وذكر هذا الإعتقاد الشائع في بعض المجلات العلمية .لكن الحقيقة التى يشير إليها تاريخ الطب ،أنه لطالما كانت سلامة البشر مهددة بسبب الأمراض المعدية.قام البشر باستمرار منذ قديم الزمان بمكافحتها وباستكشاف وبحث مسببات الأمراض وطرق الانتقال والوقاية وطرق العلاج منها ،بالإضافة إلى الجوانب الأخرى المتعلقة بهذه الأمراض،لذلك تراكمت تجربة غنية،إنتقلت الى العصور والأجيال التي تليها ،ثم تطورت في اشكالها وكفائتها حتى وصلت لتلك المرحلة والشكل التى نراها اليوم.
أقنعة الوجه في العصور القديمة
درس علماء الأنثروبولوجيا تاريخ البشرية ولم يكتشفوا بعد بالضبط كيف مارس الناس الطب في عصور ما قبل التاريخ.لكن الحقيقة التى لا خلاف عليها أن الحضارة المصرية التي استمرت من 3300 إلى 525 قبل الميلاد ، هو المكان الذي بدأ فيه مفهوم الصحة،كما تميزت فيه الأطباء عن غيرهم.
منذ العصور القديمة بدأ البشر في الوقاية من الوباء والأمراض المعدية ومكافحتها ،باستخدام اساليب من الخرافات كالسحر (حيث اعتقد المصريون القدماء أن الآلهة والشياطين والأرواح تلعبت دورًا رئيسيًا في التسبب في الأمراض ) إلى استخدام الأساليب العلمية .كما أنشأوا نظامًا للوقاية من السلامة الأحيائية يهدف إلى الاستجابة الفعالة لتفشي الأمراض المعدية كالمطهرات ،والتباعد وقناع الوجه الواقي من الأوبئة ومن الروائح التي كانت منتشرة بسبب هذه الأوبئة.
اكتسبت الصين خبرة غنية في كل من الوقاية والعلاج من الأمراض المعدية. يعود تاريخ أقدم الأشياء التي تشبه قناع الوجه (الكمامة) المسجلة في التاريخ إلى القرن السادس قبل الميلاد، حيث تمّ العثور على بعض الصور لأشخاص يرتدون الملابس على أفواههم على أبواب المقابر الفارسية، في الصين.
كما ظهر قناع الوجه الواقي بالشكل التي يقارب أشكال الأقنعة الطبية اليوم (الكمامة)،في عهد الإمبراطورية الرومانية منذ أكثر من 2000 عام،والتي كانت مصنوعة من المثانة الحيوانية. و تم استخدامها في المناجم لحماية العمال من الأبخرة السامة.وكان يرتدي بعض أتباع الديانة اليانية ، التي نشأت في الهند حوالي 500 قبل الميلاد ، أقنعة من القماش لتجنب استنشاق الحشرات عن طريق الخطأ كجزء من ممارسة أهيمسا في عدم قتل أي حيوان مهما كان صغيراً ولو بالخطأ.
الكمامات في العصر الإسلامي
ظهر فى عصر الإسلام كثير من الأوبئة والأمراض،المعدية التى كانت تنتقل بالهواء والإتصال مثل الطاعون والجذام.فتعامل علماء الطب في العصور الإسلامية مع هذه الأمراض بحكمة وعناية .ففي القرن الرابع عشر ،حذر عالم الدين والطبيب ابن القيم الجوزية من مرض الجذام قائلاً: “اهربوا من الجذام وأنت تهربون من الأسد” ،وعن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد“، أخرجه البخاري.حيث عرف الأطباء أن انتقال العدوى يتم عن طريق الاتصال مع شخص مريض أو عن طريق أنفاسهم وأن الطريقة الوحيدة لتجنب انتقال العدوى هي الابتعاد عن هذا الشخص .
فكان الناس يغطون وجوههم بما يشبه القناع الطبي عندما يريدو الخروج من منازلهم للحصول على احتياجاتهم.سواء كانو يصنعون ذالك القناع خصيصاً لتلك الأوبئة من الشاش والقماش أو كانو يلفون وجوههم بالعمم التى كانو يرتدونها ،مما يقلل ذالك فرص الإصابة بالأمراص .وكان للزي الإسلامي للنساء دور كبير فى الوقاية من الأمراض مثل النقاب أو ما يسمى بالطرحة التى كانت تعمل عمل القناع الطبي .كما استحدثو كثيراً من وسائل الوقاية من الأمراض والأوبئة.
قناع الوجه في العصور الحديثة
كانت تغطية الأنف والفم جزءًا من الممارسات الصحية التقليدية ضد الأمراض المعدية في أوروبا الحديثة المبكرة.ففي القرن الرابع عشر ، انتشر الطاعون الأسود في أوروبا،الذي تسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة. وقد شجع هذا أيضًا بشكل كبير على ظهور كائنات وظيفية تشبه قناع الوجه. وفي القرن السادس عشر ، اخترع الطبيب الفرنسي شارل دي لورم قناع المنقار.وهو قناعًا من الورق المقوى المغلي مزودًا بمنقار مثقوب بفتحتين يسمحان بالتنفس،وزجاج في تجويف العين لضمان الرؤية. ولتحسين فعاليته ، يمكن أن يحتوي على مجموعة متنوعة من المنتجات ذات الخصائص المطهرة ،في قسم المنقار لتصفية المرض،وعزل الروائح الكريهة التي كانت كارثية في ذالك الوقت ،ومن هذه المنتجات الزهور المجففة ، والأعشاب العطرية ، والتوابل ، أو الكافور،وأوراق النعناع.وبالإضافة إلى القناع ، تشكل القبعة العلوية ، والشال ، والرداء ، والسراويل ، والقفازات ، والأحذية ، وعصي المشي “بدلة منقار” كاملة. تطورت في النهاية إلى رمز مرعب للموت بسبب انتشار الطاعون،وهذا الزي محفوظ في المتحف التاريخي الألماني في برلين.
في نفس القرن ، اقترح الرسام الشهير ليوناردو دافنشي نقع قطعة قماش في الماء ووضعها على وجهه من أجل تصفية المواد الكيميائية السامة القادمة من أجهزة التنفس لدى الناس. لا تزال هذه الطريقة الفعالة مستخدمة على نطاق واسع في أدلة النجاة من الحرائق اليوم.
في القرن 18 ولدت العديد من المصانع والشركات،التي تهتم بإنتاج وسائل للحماية من مخاطر الأعمال ، في جميع المهن المعرضة للمواد الخطرة،مثل (الزرنيخ والجبس والجير والتبغ والسيليكا ). وذلك بفضل الإيطالي برناردينو رامازيني ، رائد الطب المهني والمؤسس الحقيقي للنظافة المهنية ،وكان برناردينو يوصى العاملين في المستنقعات غير الصحية بتغطية وجوههم بقماش أو شاش بما يشبه قناع الوجه أو الكمامة الأن.
أقنعة الجراحة
في عام 1905 ، نشرت الطبيبة أليس هاميلتون دراسة حول كمية البكتيريا العقدية التي يتم طردها عندما يسعل مرضى الحمى القرمزية أو يبكون. مما دفعها إلى التوصية بأقنعة أثناء الجراحة،أدت توصياتها إلى انتشار استخدام الأقنعة الواقية للجراحين والممرضات.وتم وصفها بقطعة من الشاش مربوطة بخيطين على الغطاء ، وتكتسح الوجه لتغطي الأنف والفم واللحية.
كان قناع الوجه بمثابة استراتيجية للسيطرة على العدوى.تركز على إبعاد جميع الجراثيم،أصبحت الأقنعة منتشرة بشكل متزايد.ظهر في القرن التاسع عشر كثير من الأوبئة مثل وباء الإنفلونزا العالمي لعام 1918.مما حول قناع الوجه إلى وسيلة لحماية العاملين في المجال الطبي والمرضى من العدوى.كما أصبح ارتداء قناع الوجه إلزاميًا لقوات الشرطة في ظل هذه الأزمات الوبائية.
تطور قناع الوجه الطبي
قام الباحثون الطبيون بدراسات وتجارب على الأقنعة الطبية (الكمامات) ،ووجدوا أن الأقنعة تتنوع بشكل كبير في مدى ترشيح البكتيريا. ولكن عند استخدامها بشكل صحيح ، تم اعتبار أن بعض الأقنعة توفر الحماية من العدوى.وبدأ استبدال الأقنعة الطبية بأقنعة ورقية يمكن التخلص منها خلال الثلاثينيات من القرن الماضي وصُنعت بشكل متزايد من مواد اصطناعية للاستخدام الفردي في الستينيات والتي تميزت في أدائها وراحتها وتعقيمها. بحلول أوائل الستينيات ، كانت هناك إعلانات عن أنواع جديدة من أقنعة الترشيح المصنوعة من الألياف الاصطناعية غير المنسوجة في مجلات التمريض والجراحة. كما تم تركيب أقنعة التنفس هذه على شكل كوب بشكل مريح على الوجه وتم تصميمها لتصفية الهواء الوارد ، وليس الخارج فقط ، وكذلك لمنع انتشار القطرات مثل الأقنعة التقليدية. يمكن استخدام هذه الأقنعة مرة واحدة فقط لأن نسيجها الصناعي سيتلف أثناء التعقيم.
جائحة كورونا في القرن الواحد والعشرين
بدخول القرن الواحد والعشرين ،كان عامة الناس يدركون أهمية ارتدداء الأقنعة الطبية من باب الوقاية من أبسط الأمراض.وانتشر استخدام الكمامات حول العالم،كما لزم العديد من الأعمال والعمليات ارتداء قناع الوجه الطبي لحمايتهم من المخاطر،كالتمريض ،والجراح ،وعمال المناجم ،وفي التجارب العلمية ، وفي بعض الأعمال الأخرى. وبتقدم الطب والتكنولوجيا والصناعة في ذلك الوقت ،انشئت مصانع عديدة في كثير من الدول ،لإنتاج الأقنعة الطبية بجودة وتعقيم عالى تبقاً لمعايير مدروسة.
ظهر وباء كورونا (كوفيد-19) في أوائل عام 2019،فيما يسمى بجائحة فيروس كورونا،والذي ارعب العالم بنسبة انتشاره وقدرة انتقاله الذي أدى الى اصابة أكثر من 131 مليون شخص في أكثر من 188 دولةً ومنطقةً حتى تاريخ 5 أبريل 2021.ألزمت السلطات الشعوب بالوقاية وعدم الخروج من منازلهم ،وفرضت حظر التجوال.وأمرت بإرتداء الكمامات ووضع غرامات مالية كبيرة وحبس لمن يخالف القوانين ولمن يهمل في استخدام الأساليب الوقائية.
أرشدت الأطباء الناس بالتخلص من الكمامه فور خلعها،وعدم ارتدائها مرة اخرى بعدها. مما أدى الى الطلب المتزايد لأقنعة الوجه الطبية،و عدم توافرها وأرتفاع اسعارها .فظهرت الأقنعة الطبية القماشية التي يمكن إعادة استخدامها ،مع العلم انها كانت اقل فعالية من الكمامات الطبية ،لكن لاقت نجاحأ باهراً خاصة في الدول النامية .وبما أن القناع كان مصاحب للفرد فى جميع اوقاته، ظهر في الكمامات القماشية ،إبداعات تناسب أحداث الموضة،حتى لا يشعر الفرد انه ملزم بها بل صار ارتدائها تكميلياً لبعض الأزياء في ظل هذه الأزمة العالمية.
في ظل هذا التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي الذي كانو يعيشون فيه ،لم يستطيعوا تصنيع دواء فعال أو مضاد لهذا المرض.واعلنت الحكومات الوطنية في جميع انحاء العالم حالة الطوارئ ،وأغلقت كثير من الأعمال التعليمية ،والدينية ،والسياحية ،والسياسية،والإقتصادية،مما سبب ذلك ازمات واضرار اقتصادية ومالية في كثير من دول العالم .
No Comment! Be the first one.