قدم سوق الأوراق المالية أداءً باهتًا في شهر فبراير حيث عزف المستثمرون عن المخاطرة بعد المكاسب التي تم تحقيقها في شهر يناير، لينخفض المؤشر القياسي ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 2% في شهر فبراير مما قلل من مكاسبه السنوية لهذا العام إلى 3.9% فقط.
خلال الشهر الماضي انتابت أسواق تداول الأسهم الأمريكية حالة من الخوف من خلال البيانات الاقتصادية الأمريكية المتضاربة،حيث أظهرت تقارير التضخم أن معدل الانخفاض في التضخم أصبح راكدًا، مما يشير إلى أنحملة التشديد التي يشنها البنك الاحتياطي الفيدرالي ضد ارتفاع الأسعار لم تنته بعد، في الوقت نفسه، أوضح تقرير آخر عن الوظائف القوية أن سوق العمل لا يزال ضيقًا للغاية.
إن مشكلةالبنك الاحتياطي الفيدرالي لكيفية حل أزمة التضخم دون التأثير على سوق العمل والتسبب في ركود لا تزال تثير الهوس الرئيسي للأسواق، هناك المزيد من العواطف حول احتمال حدوث ركود أكثر من البيانات الملموسة، ويبدو أن الأسواق تشعر بالعلاقة بين الخوف والجشع.
يقول كبير الاقتصاديين في بنك كوميريكا “بيل آدمز”: أن معدل الدخل ومعدل الإنفاق لا يزال قويان في أوائل عام 2023، مما يهدئ من المخاوف من أن الاقتصاد الأمريكي على وشك الركود في الوقت الحالي.
وفي الوقت نفسه، تختلط تقارير أرباح الشركات في الربع الرابع، حيث لا تزال الشركات العامة تكافح مع ارتفاع التكاليف ومخاوف الركود،لهذا لا يمكن للشركات البارزة التوقف عن تسريح العمال، في الوقت نفسه، لا يزالون العمال يجدون أنه من السهل الحصول على وظائف.
توقف التضخم المرتفع
في النصف الأخير من عام 2022 بدا أن معدلات التضخم في أمريكا تتراجع تدريجياً، بلغت زيادة الأسعار السنوية ذروتها في يونيو ثم بدأت في التراجع ببطء حتى ديسمبر، لكن بيانات يناير التي تم إصدارها الشهر الماضي أظهرت أن التضخم قد ضرب زر الإيقاف المؤقت.
كانت قراءة مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في يناير 6.4% بأعلىمن توقعات الاقتصاديين وأقلبقليل من قراءة ديسمبر عند 6.5%، أما تقرير التضخم الشهري الكبير الآخر الذي يتمثل في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) ارتفع فعليًا على أساس سنوي إلى 5.4% في يناير (من 5.3 % معدل موسمياً في ديسمبر).
وقال آدمز: كان الكثير من تباطؤ مؤشر أسعار المستهلك في شهر يناير ناتج عن الانخفاض الأخير في أسعار السيارات المستعملة والتي ارتفعت خلال الوباء وهي الآن تعود ببطء إلى الاتجاه الهبوطي،ولكن لا تزال أسعار الطاقة والغذاء ترى مستويات سنوية مرتفعة مستدامة.
البنك الاحتياطي الفيدرالي يستمر في رفع الفائدة بوتيرة أقل
خفض البنك الاحتياطي الفيدرالي تدريجياً من حجم رفع سعر الفائدة من 75 نقطة أساسفي اجتماع نوفمبر إلى 50 نقطة أساس في ديسمبر و 25 نقطة أساس في الاجتماع الذي انتهى في 1 فبراير.
أشار البيان الختامي من الاجتماع الأخير إلى أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي ما زالوا يعتقدون أن هناك حاجة إلى مزيد من ارتفاع معدلات الفائدة للحد من التضخم، كما أظهر البيان أن المسؤولين يرون أن سوق العمل في الولايات المتحدة ضيقة للغاية مما يساهم في استمرار الضغوط الصعودية على الأجور والأسعار.
أفادت وزارة العمل أن الاقتصاد الأمريكي أضاف 517000 وظيفة في يناير أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كان يتوقعه الاقتصاديون 187000 وظيفة،وانخفض معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 3.4% فقط في يناير وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من 50 عامًا.
يقول الخبير الاستراتيجي لشبكة الكومنولث المالية “سام ميليت”: إن ارتفاع التضخم العنيد والإنفاق الشخصي المرتفع وسوق العمل الضيق سيجعل الحياة صعبة للغاية خلال الأشهر المقبلة، وأضاف: على الرغم من أننا رأينا علامات على أن ضغط التضخم العام قد وصل ذروته في أواخر العام الماضي، إلا أنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين على المدى القصير عندما يتعلق الأمر بالتضخم وبالتالي السياسة النقدية.
تتوقع الأسواق ارتفاعًا إضافيًا في أسعار الفائدة في اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي القادمة، يرى المتداولون احتمالًا بنسبة 75% أن البنك الاحتياطي الفيدرالي سيقوم بزيادة 25 نقطة أخرى في اجتماع 21-22 مارس، مما سيضع هدف سعر الصناديق الفيدرالية عند 4.75% إلى 5.00%.
مراقبة الركود الأمريكي
قد يكون من الصعب للغاية على البنك الاحتياطي الفيدرالي تبرير زيادة أسعار الفائدة حتى يبرد سوق الوظائف ويستأنف التضخم انخفاضه.
وكلما ارتفعت المعدلات زاد احتمالية حدوث تداعيات على الاقتصاد في نقطة ما، وقد انعكس هذا الخطر في مؤشرات “احتمال الركود” التي جمعتها بنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمي، حيث وصل مؤشر احتمال الركود في البنك الاحتياطي في نيويورك إلى أعلى مستوى له منذ 40 عامًا في فبراير.
ارتفعت أيضًا نسبة فرص العمل في الولايات المتحدة، فعندما يتم إجبار عدد متزايد من الشركات على التنافس على مجموعة من مرشحي الوظائف المؤهلين فإنه يدفع الأجور إلى أعلى، الأجور الأعلى هي أخبار جيدة للعمال لكنها تسهم أيضًا في التضخم، ومن هنا جاءت مشكلةالبنك الاحتياطي الفيدرالي، غالبًا ما تنقل الشركات ارتفاع تكاليف العمالة للعملاء من خلال رفع الأسعار على المنتجات والخدمات.
ثم هناك دراما سقف الديون الأمريكية، حيث وصلت الولايات المتحدة إلى الحد الأقصي للديون الحالية في يناير، لكن وزيرة الخزانة “جانيت يلين” نفذت سلسلة من “التدابير غير العادية” التي ستسمح للحكومة الأمريكية بمواصلة اقتراض الأموال على المدى القصير لتلبية التزامات الديون.
في فبراير قال مكتب الميزانية بالكونجرسإن إجراءات وزارة الخزانة الطارئة لمنع التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة سيتم استنفادها في وقت ما بين يوليو وسبتمبر إذا فشل الكونجرس في رفع حد الدين الأمريكي البالغ 31.4 تريليون دولار.
يمكن لأي انهيار في سقف الديون أن يلحق أضرارًا كبيرة بسوق الوظائف ويزيد التضخم سوءًا ويزيد بشكل كبير من فرص حدوث ركود.
تباطؤ الأرباح
كان موسم أرباح الربع الرابع مختلطًا ولدى المحللين توقعات قاتمة إلى حد ما للنصف الأول من عام 2023، أبلغت شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عن انخفاض بنسبة 4.8% على أساس سنوي في الأرباح في الربع الرابع، يمثل ذلك أول معدل نمو سلبي للأرباح للمؤشر منذ الربع الثالث من عام 2020.
الاستثناء الوحيد لتراجع أرباح الشركات هو قطاع الطاقة الذي سجل نموًا في الأرباح بنسبة 58% في الربع الرابع، حيث أدت الحرب في أوكرانيا والتضخم العالمي في السلع الأساسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة في عام 2022 وساعدت العديد من أسهم النفط والغاز على تحقيق أرباح قياسية.
لسوء الحظ، يتوقع المحللون استمرار نمو الأرباح الإجمالية السلبية في النصف الأول من عام 2023، ويتوقع المحللون انخفاض أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 5.7% على أساس سنوي في الربع الأول و 3.7% أخرى في الربع الثاني.
على الرغم من أن النمو الاقتصادي الأمريكي والعالمي لا يزال في المنطقة الإيجابية، إلا أن الربع الأخير من عام 2022 كان بداية ركود في الأرباح،ويتوقع المحللون استمراره لربعين آخرين، حتى الآن تعتبر الانخفاضات في قوة الأرباح متواضعة، وهذا هو السبب في أن الأسهم الأمريكية ذات رؤوس الأموال الكبيرة تظل مرنة نسبيًا.
No Comment! Be the first one.