لحظة الفقد وفجرُ خلافةٍ جديدة
حَانَ وقتُ الفراقِ الأليم، لحظةُ وداعِ الحبيبِ المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لِأُمّتهِ. واجهَ المسلمونَ موتَ نبيّهم بِمشاعرَ مُختلطةٍ من الحزنِ والفقدِ والارتباكِ. فماذا فعلَ أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنهُ في تلكَ اللحظاتِ العصيبةِ؟
روايةُ عائشةَ رضي الله عنها
تروي عائشةُ رضي الله عنها، كما في صحيح البخاري، أنّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قد تلفّظَ بكلماتِهِ الأخيرةِ قبلَ وفاتهِ: “بلِ الرفيقُ الأعلى، بلِ الرفيقُ الأعلى، بلِ الرفيقُ الأعلى“. ففهمتْ عائشةُ أنّ نبيّها يخيّرُ بينَ الدنيا والآخرةِ، وأنّهُ يختارُ الآخرةَ. وتؤكّدُ روايةٌ أخرى في صحيح البخاري أنّ عائشةً قد سمعتْ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: “اللهمّ اغفرْ لي وارحمني وألحقني بالرفيقِ الأعلى“. ثمّ سقطتْ يدُ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) فتيقنتْ عائشةُ من وفاتهِ.
صراخُ عائشةٍ وارتباكُ الصحابة
خرجتْ عائشةُ صارخةً بِخبرِ وفاةِ الرسولِ (صلى الله عليه وسلم)، فلقاها عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنهُ، ونفى موتَ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) رافعاً سيفهُ ومُهدّداً بِقطعِ أيدي ورؤوسِ مَنْ يزعمُ ذلكَ. وسادَ الارتباكُ والذهولُ بينَ الصحابةِ، فخرسَ عثمانُ رضي الله عنهُ وأُصيبَ عليٌّ رضي الله عنهُ بالشللِ.
ثباتُ أبي بكرٍ وخطبتهُ التاريخية
في خضمّ تلكَ الفوضى، عادَ أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنهُ من بيتهِ، ولمْ يُبالِ بالجموعِ المُضطربةِ. اتّجهَ مباشرةً إلى بيتِ عائشةَ، ودخلَ على جسدِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) المُغطّى. بَكى أبو بكرٌ وقبّلَ جبينَ حبيبهِ، وقالَ: “طبتَ حيّاً وميتاً يا رسولَ اللهِ، أما الموتةُ التي قد كتبها اللهُ عليكَ فقد ذقتَها، ولا ألمَ عليكَ بعدَ اليوم“.
خرجَ أبو بكرٌ إلى الجموعِ الغاضبةِ، ونادى: “أيّها الناسُ! من كانَ يعبدُ محمداً فإنّ محمداً قد ماتَ، ومن كانَ يعبدُ اللهَ فإنّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ“. واستشهدَ أبو بكرٌ بِآيةٍ من القرآنِ الكريمِ: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى أَعْقَابِهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ” (آل عمران: 144).
نتائجُ خطبةِ أبي بكرٍ
آتتْ خطبةُ أبي بكرٍ ثمارَها، فهدأتْ النفوسُ واستعادَ المسلمونَ صوابَهم. أدركَ الصحابةُ أنّ وفاةَ الرسولِ (صلى الله عليه وسلم) لا تعني موتَ الدينِ، وأنّ اللهَ تعالى سيُبقي عليهم نورَ الإسلامِ.
No Comment! Be the first one.