تتجه كل الأنظار عالميًا إلى توفير الغذاء بشتى السبل، ومصر كجزء من هذا العالم تعاني من نقص واضح في البروتين الحيواني. يعود ذلك إلى صغر حجم الثروة الحيوانية وقلة القدرة على زيادتها، بالإضافة إلى الزيادة السكانية العالية. لذلك، توجهت الدولة إلى الاهتمام بالثروة السمكية على غرار دول العالم الأخرى.تُعتبر الثروة السمكية في مصر من الموارد الطبيعية المهمة التي تستحق المزيد من الاهتمام والدعم. فهي تلبي حاجة كبيرة من السكان إلى البروتين الحيواني، كما تسهم في توليد دخل وفرص عمل للكثير من الأسر. لذلك، يجب على الدولة والقطاع الخاص والجهات المانحة والباحثين والمجتمع المدني التعاون لتطوير هذا القطاع وتذليل المشكلات التي تواجهه.
حجم وأهمية المصايد السمكية في مصر
تُعتبر الثروة السمكية من أهم مصادر الدخل القومي في مصر، كما توفر البروتين الآمن اللازم لتلبية الاحتياجات الغذائية المحلية وتساهم في تنمية صناعات أخرى. تمتد المصايد السمكية في مصر على مساحات واسعة تفوق 13 مليون فدان، وهي ما يعادل حوالي 150٪ من المساحة الزراعية. تتنوع المصادر السمكية بحسب طبيعتها، وتشمل:
- البحار: مثل البحرين الأحمر والمتوسط، والتي تشكل حوالي 10٪ من إجمالي المصادر. يبلغ إجمالي ما تم صيده من هذه البحار 133,173 طن.
- البحيرات: مثل بحيرات الشمالية (بحيرة المنزلة والبرلس ووادي الريان ومريوط)، والبحيرات الداخلية (بحيرة قارون والريان وناصر المرة والتمساح)، والبحيرات الساحلية (بحيرة البردويل وميناء بور فؤاد)، والبحيرات الصناعية (بحيرة ناصر). تشكل هذه البحيرات حوالي 40٪ من إجمالي المصادر. يبلغ إجمالي ما تم صيده من هذه البحيرات 188,597 طن.
- الأنهار: مثل النيل وفروعه، والقنوات المائية، والأخاديد المائية. تشكل هذه الأنهار حوالي 50٪ من إجمالي المصادر. يبلغ إجمالي ما تم صيده من هذه الأنهار 901,788 طن.
دور الاستزراع السمكي في زيادة إنتاج المصادر
يُعتبر الاستزراع السمكي أحد أهم المساهمين في الإنتاج السمكي بمصر، حيث يقدم نحو 50٪ من إجمالي الإنتاج. ومع ذلك، يعاني هذا القطاع من العديد من المعوقات التي تحد من توسعه. من بين هذه المعوقات:
- نقص المياه العذبة: نظرًا لأن مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل للزراعة والشرب والصناعة، فإن توفير مياه كافية للمزارع السمكية يشكل تحديًا كبيرًا.
- ارتفاع تكاليف الإنتاج: نظرًا لارتفاع أسعار الأعلاف والأسمدة والطاقة والأدوية والتجهيزات، فإن تحقيق ربحية عالية من الاستزراع السمكي يصبح صعبًا.
- ضعف التنظيم والرقابة: نظرًا لغياب قوانين وضوابط واضحة لتنظيم نشاط الاستزراع السمكي، فإن هذا يؤدي إلى حدوث مشكلات بيئية وصحية وجودية. كما يؤدي إلى حدوث منافسة غير عادلة بين المزارعين والصيادين.
تاريخ الثروة السمكية في مصر
منذ العصر الحجري وحتى الوقت الحاضر، تُعتبر الأسماك واحدة من أهم مصادر الثروة المائية. استوطن المصريون القدماء قرب مياه النيل، وخاصة خلال فصل الفيضانات، حيث كانت هذه المياه غنية بالأسماك. وكانت تناول السمك محظورًا في بعض أيام السنة، لربما ارتأوا ذلك لتمكين الأسماك من التكاثر في النيل خلال فترة انخفاض مستوى الماء. قد ترك الفراعنة نقوشًا بديعة تصور الحياة النيلية والأسماك بشكل مدهش على جدران معبد الدير البحري بطيبة. وكان بعض القدماء المصريين يقدسون الأسماك ويحظرون صيدها ولمسها أو تناولها، معتقدين أنها أرواح طيبة من أرواح الماء.
في العصر الإغريقي والمسيحي، ظهرت الأسماك في العديد من المناظر الفنية، وأصبحت رموزًا للمسيحية ومميزات للفن القبطي في مصر. تُعد صورتان للأسماك المتقاطعتان رمزًا محببًا للفن القبطي في عصور الاضطهاد. ويتميز تصوير الأسماك في الفن القبطي بتماثله مع مناظر الصيد في مصر القديمة، حيث يظهر السمك في الماء والقارب والصياد وهم منهمكون في عملهم.
دور الثروة السمكية في اقتصاد مصر
تعتبر الثروة السمكية في جمهورية مصر العربية قطاعًا هامًا في الاقتصاد القومي. يُقدر نصيبها من الدخل الزراعي بحوالي 4% من إجمالي قيمة الإنتاج الزراعي وحوالي 15% من قيمة الإنتاج الحيواني. تُقدر قيمة إنتاج الثروة السمكية حاليًا بحوالي 6 مليارات جنيه، وهو رقم مُعلن عنه من قبل هيئة الثروة السمكية. ويرتكب عدد كبير من العامل في صناعة الصَّيد والتوزيع والتصنيع بقطاع الثروة السمكية، ويقدر عددهم بنحو 200,000 عامل، الذين يعملون في جميع القطاعات الاقتصادية المتعلقة بالصيد وتجهيز وتصنيع المنتجات السمكية.
وتمثل الثروة السمكية ركيزة أكبر من ذلك في الاقتصاد القومي عند التنظر إليها بشكل شامل وفي جميع الصناعات التي تعتمد على خدمتها. فمن جهة، هناك مصانع لتحضير الأعلاف والمكونات السمكية التي تساهم في تربية الحيوانات والدواجن، ومن جهة أخرى، توفر الثروة السمكية فرص عمل ووظائف في المؤسسات والشركات والمصانع المختصة في المنتجات السمكية. تساهم هذه الصناعة الضخمة من العاملة في الحفاظ على المجتمع ومنع البطالة ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، بالإضافة إلى تحسين الحالة الصحية للأفراد عن طريق توفير البروتين الحيواني العالي الجودة والفيتامينات الضرورية للاحتياجات المحدودة والشعب المصري.
أنواع ومصادر الأسماك في مصر
يُقدَّر إنتاج الأسماك المحلي في مصر بحوالي 407 ألف طن سنويًا، حيث يتم اصطياد حوالي 17% من هذه الكمية من المصادر الطبيعية، وحوالي 83% من مزارع الأسماك. يُعرض جميع أنواع الأسماك المتاحة في الأسواق المصرية المتعددة المصادر، ومن بينها:
- الأسماك البحرية: مثل القاروص والدنيس والوقار والسردين والمرجان والمكرونة، بالإضافة إلى الجمبري والكابوريا والسبيط. تشكل هذه الأسماك حوالي 30% من إجمالي الإنتاج.
- أسماك المياه العذبة: ومنها البلطي والبياض والقرموط وقشر البياض. تشكل هذه الأسماك حوالي 20% من إجمالي الإنتاج.
- أسماك المزارع: وتشمل البلطي والمبروك والبوري والقرموط. ويشكل تركيب الأنواع في المزارع الحكومية 56.70% من أسماك المبروك. تشكل هذه الأسماك حوالي 50% من إجمالي الإنتاج.
فوائد الثروة السمكية للصحة والبيئة
تحظى الصيانة الجيدة للثروة السمكية بأهمية بالغة، حيث تحميها من الأمراض التي تنتقل من الأسماك إلى الإنسان، وتضمن استمرارية الإنتاج بدون انقطاع، حيث تحتاج الأسماك إلى رعاية وعلاج عند الحاجة، ويؤدي الاهتمام الكافي بصيانة الثروة السمكية إلى الحفاظ على الاقتصاد القومي وصحة المواطنين. ومن جهة أخرى، تُعتبر الأسماك مصدرًا هامًا للبروتين والبديل البروتيني المتاح للأفراد ذوي الدخل المحدود والطبقات الشعبية في مصر. وتحتوي الأسماك على العديد من العناصر الغذائية الهامة التي تساهم في نمو وبناء جسم الإنسان، مثل:
- فِيتامين أ: يساعد في الحفاظ على صحة العيون والجلد والأغشية المخاطية والجهاز المناعي.
- فيتامين د: يساعد في امتصاص الكالسيوم والفوسفور وتقوية العظام والأسنان.
- فيتامين ب12: يساعد في تكوين خلايا الدم الحمراء والأعصاب والحمض النووي.
- أوميغا 3: يساعد في خفض ضغط الدم والكولسترول وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية والدماغ.
- الحديد: يساعد في نقل الأكسجين إلى جميع أجزاء الجسم ومنع فقر الدم.
- الزنك: يساعد في تقوية الجهاز المناعي والشفاء من الجروح وتنظيم عملية التمثيل الغذائي.
تمتاز الأسماك بخلوها من الكولسترول وسهولة هضمها ومذاقها الطيب. كما تلعب الأسماك ومخلفاتها دورًا كبيرًا في صناعة العلائق المستخدمة في تربية وتسمين حيوانات المزرعة والدواجن. كما تسهم في حفظ التوازن البيئي للمصادر المائية، حيث تقضي على الكائنات المؤذية أو المتراكمة بشكل زائد، مثل الطحالب أو اللافقاريات.
التحديات والفرص لتطوير قطاع الثروة السمكية في مصر
في غضون العشرين عامًا الماضية، توسعت مصر بنجاح في مجال الاستزراع السمكي، وأصبح هذا الاستزراع ضروريًا لسد الفجوة الغذائية ومواكبة الزيادة المستمرة في عدد السكان. تم التوسع في مشروعات الاستزراع السمكي بأنظمتها المختلفة، بما في ذلك الانتشاري، وشبه المكثف، والمكثف. وتبلغ مساحة مزارع الأحواض الحكومية حوالي 105 ألف فدان، وتقدر إنتاجية الفدان بحوالي 1.2 – 3.5 طن من الأسماك، أي حوالي من 10 إلى 15 ضعف إنتاجية الفدان من المصادر الطبيعية مثل مصادر البحرية والبحيرات المالحة والعذبة.
التجارة الخارجية للأسماك في مصر
رغم أن مصر تحتل المرتبة الثانية في إنتاج الأسماك في أفريقيا بعد نيجيريا، والمرتبة السادسة عشرة عالميًا، إلا أنها لا تستغل إمكاناتها الكاملة في هذا المجال. ففي حين نحتاج إلى حوالي 600 ألف طن من الأسماك سنويًا لتغطية احتياجات السوق المحلية في مصر، نستورد حوالي 193 ألف طن من الأسماك بقيمة تبلغ 400 مليون دولار، بينما نصدر نحو 700 طن بقيمة 45 مليون دولار فقط، مما يجعل الميزان التجاري للأسماك غير مواتٍ لنا على الإطلاق.
وقد تبلغ قيمة صادرات الدول العربية من الأسماك حوالي 969 مليون دولار سنويًا في المتوسط. وتتركز هذه الصادرات في ثلاث دول هي موريتانيا بنسبة 44%، المغرب بنسبة 43.4%، وسلطنة عمان بنسبة 13.2%. وتشمل الدول المصدرة أيضًا اليمن وتونس والصومال. في المقابل، تشهد أسواق التصدير المصرية خسارة سنوية تقدر بنحو 100 مليون دولار على الأقل بسبب توقف تصدير الأسماك المصرية إلى أوروبا منذ قرابة 5 سنوات، نتيجة عدم موافاة المفوضية الأوروبية بالقواعد الكاملة لتداول الأسماك في مصر ومنحها الترخيص للتصدير إلى الأسواق الأوروبية وفقًا للقوانين والشروط المعمول بها في الاتحاد الأوروبي.
وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن صادرات مصر من الأسماك (أكثرها القاروص والدنيس) بلغت حوالي 912 طن خلال عام 2001 بقيمة نحو 4.3 مليون دولار. ولكن هذا التصدير يتم عن طريق وسطاء، ولا يحمل اسم مصر، مما يؤكد ضرورة الإسراع في إنهاء التعقيدات الإدارية التي تعرقل فتح الأسواق أمام الصادرات المصرية بشكل مباشر.
استراتيجيات التنمية لقطاع الثروة السمكية في مصر
لتحقيق الاستفادة القصوى من قطاع الثروة السمكية في مصر، يجب اتباع الآتي:
- الاستخدام الأمثل للمصادر الطبيعية للمياه الداخلية، بما في ذلك البحر المتوسط والبحر الأحمر، نهر النيل بروافده، والبحيرات الطبيعية والصناعية. وذلك عن طريق تطبيق أساليب علمية لتقدير المخزون السمكي وتحديد مواسم وأساليب الصيد المناسبة وفرض ضوابط على استيراد وتصدير الأسماك وتشجيع التنوع البيولوجي للأنواع المحلية.
- إنشاء مرابي سمكية متطورة ومزارع نموذجية واستحداث مناطق جديدة للاستزراع السمكي في الأراضي غير الصالحة للزراعة والتي تحتوي على مصادر دائمة للمياه والصرف. وذلك عن طريق توفير التمويل والتدريب والإرشاد والتسهيلات الإدارية للمستثمرين والمزارعين وتشجيع تشكيل جمعيات تعاونية لهم.
- اختيار أفضل أنواع الأسماك المناسبة للاستزراع واستخدام تكنولوجيا حيوية جديدة لإنتاج سلالات من الأسماك عالية الإنتاج بهدف زيادة نموها من 200 جرام إلى نصف كيلو وتحديد العلائق والبدائل الغذائية المتوازنة لتوفير العناصر اللازمة. وذلك عن طريق دعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال وإقامة شراكات مع المؤسسات الدولية المختصة.
- الحفاظ على الثروة السمكية المتاحة من الأخطار الناجمة عن عدم اتباع الشروط الصحية اللازمة، والرقابة الفعالة لتجنب انتقال الأمراض والأضرار بإنتاجيتها وللحفاظ على الصحة العامة. وذلك عن طريق تطبيق نظام صحى موحد لإصدار شهادات صحية للأسماك قبل تسويقها أو تصديرها أو استيرادها، وإجراء فحوصات دورية للأسماك في المزارع أو المصادر، وإنشاء مختبرات متخصصة للكشف عن المخلفات أو المواد المضافة أو الملوثات في لحوم الاسماك.
No Comment! Be the first one.