تحت حكم الحاكم بأمر الله، تحولت الدولة إلى ديكتاتورية!
مع نهاية حكم الخليفة العزيز بالله في حوالي سنة 383 هجرية، اتسعت مملكة الفاطميين وتمكن الدعاة من نشر الدعوة الفاطمية في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، مثل اليمن والموصل والشام وإفريقيا. وكان الحاكم بأمر الله، الذي اعتُبر حينها طفلًا، أول من تولى الحكم بين تسعة فاطميين بعد وفاة العزيز بالله في عام 386 هجرية. وظن الحاكم بأمر الله أنه لديه الفرصة لتطهير الجيش من أبناء الشرق، ولكنه اضطر إلى قبول وساطة الحسن ابن عمار المغربي، وذلك لاستعادة المغاربة مكانتهم في الدولة بعد ضعفها بفعل وزيرهم ابن كلس. لكن فيما بعد، تم خلع الحاكم بأمر الله بن عمار من الحكم واعتُبر “أمين الدولة”، وبذلك أصبح أول شخص يحمل هذا اللقب في الدولة الفاطمية.
ووفقًا للمؤرخين مثل الدكتور أيمن فؤاد سيد في كتابه “الدولة الفاطمية في مصر”، اتحد الأتراك والمشرقة مع برجوان، الذي تولى الحكم بعد وفاة العزيز بالله، واندلعت صراعات بينهم وبين المغاربة في عام 387 هجرية. وأدت هذه الصراعات إلى استبعاد ابن عمار وتعيين برجوان بدلاً منه، ولم يتدخل الخليفة في هذه الأمور حتى انفصل الحاكم بأمر الله تمامًا عن برجوان وأصبح حاكمًا وحده في الدولة.
قتل برجوان واهم الأحداث التي وقعت
- أُمِر ريدان الصقلي بقتل برجوان مقابل 290 مجرية، وتم أيضًا قتل ابن عمار خلال هذه الأحداث. وتولى حسين بن جوهر القيادة.
- تبع ذلك اضطرابات بين الجنود، حيث اعتبر الأتراك ما حدث انتقامًا لهم من البربر. وخرج الخليفة ليخاطب المتظاهرين، مطالبًا الجميع بالولاء والطاعة.
- تم تكليف شخص يُدعى أبا منصور بن سورين، كاتب الأنشاء، بكتابة سجل يبرر فيه قتل برجوان.
- منذ ذلك الحين، أصبح الحاكم بأمر الله ديكتاتورًا مطلقًا، يتخذ قراراته بناءً على هواه ومزاجه الشخصي. وظهرت التناقضات في تصرفاته، حيث كان يعاني من انفصام الشخصية ويتخذ القرار ثم يُنكِّره بعد وقت قصير.
- بدأ الحاكم في تشديد القمع على الشعب، خاصةً أهل الزمة الذين تعرضوا لقمع شديد تحت حكمه. واستخدم العقاب بالقتل والتعذيب.
- أصدر الحاكم سلسلة من الأوامر والقرارات التي تضمنت قائمة بالممنوعات، مثل ارتداء الغيرة ومنع دخول حمامات المسلمين وهدم كنائسهم. وأمر أهل الزمة بالاعتناق للإسلام.
- سياسات الحاكم أدت إلى هجرة العديد من الروم، حيث اضطروا لاعتناق الإسلام بالكره بسبب الظروف القاسية.
- قام الحاكم بتدمير بيت القدس وحارة الجودرية التي تجتمع فيها اليهود ويسخرون من المسلمين، ولقي ذلك ترحيبًا من المسلمين السنة الذين انزعجوا من أعمال الابتزاز والتحامل من المال النصارى.
- منع الحاكم صناعة النبيذ والمزر والفقاعة، وقرر حظر ذبح الأبقار السليمة عندما لا يكون هناك حاجة لذلك إلا في أيام المواسم للحفاظ على الثروة الحيوانية. كما منع الخبازين من استخدام أقدامهم في عجن العجين، بما يتوافق مع معايير الصحة العامة.
- بسبب بعض التصرفات الفاضحة للنساء في مصر والقاهرة، قرر الحاكم منعهن من الخروج من منازلهن والاجتماع في المآتم، وطلب من الأطباء عدم ممارسة مهنتهم كخِفَّاة. وفي حالة الحاجة لحضور ولادة أو تشييع جنازة، كان يُطلَب الإذن منه بواسطة رسالة يتم رفعها على وجه البرقية وإرسالها إلى رئيس الشرطة ليتم توجيه شخص يعتمد عليه لمرافقتهن إلى وجهتهن المقصودة.
الحاكم يمنع الشعب من أكل السمك
قام الحاكم بفرض حظر على شعبه بشأن تناول السمك، وبالتحديد الأنواع التي ليس لها قشرة. تعيش هذه الأسماك في المستنقعات وتقوم بتنظيف المجاري المائية من الترسبات، وتعتبر مهمة بيئيًا. واحدة من هذه الأسماك المعروفة باسم القرموطي. وعلى الجانب الآخر، سمح الحاكم بقتل الكلاب، باستثناء كلاب الصيد. كانت القاهرة والفسطاط تعانيان من وجود آلاف الكلاب الضالة.أيضًا، فرض الحاكم شرطًا على دخول الحمام، وهو ارتداء مئزر يتوافق مع قواعد الذوق والآداب العامة. وقد قام الحاكم بتبرير حظر تناول الملوخية بالاشتباه في انتمائها لمعاوية، وتحريم الجرير بسبب ارتباطها بالسيدة عائشة، ومنع المتوكلية بسبب علاقتها بالمتوكل العباسي.يُذكر أن جميع هذه القرارات والتحديات العجيبة التي فرضها الحاكم تم تسجيلها من قبل المسافرين والرحالة الذين زاروا مصر في العصور القديمة.
محاولات الحاكم لنقل الحج من السعودية الى مصر
حاول الحاكم، بأمر الله، نقل قوافل الحجاج من السعودية إلى العاصمة الفاطمية في مصر. كانت لديه رؤية كبيرة في هذا الصدد. على سبيل المثال، يتحدث أبو عبيد البكري، الجغرافي الأندلسي، في روايته عن محاولة الحاكم بأمر الله بناء ثلاثة مقامات في المنطقة بين الفسطاط والقاهرة لاستقبال رفات النبي ورفات أبو بكر وعمر من المدينة. وكان الهدف من هذا المشروع تغيير الجغرافية الروحية والدينية للعالم الإسلامي عن طريق منع المدينة من أحد أبرز رموزها وتقديسه، وذلك بتحويل قوافل الحجاج إلى العاصمة الفاطمية.ومع ذلك، لا يوجد سجل تاريخي يشير إلى هذه المحاولة الفاشلة، وقد تكون مجرد خرافة تم ابتكارها في أوائل القرن الخامس الهجري. وعلى الرغم من عدم وجود مصادر فاطمية أو دراسات تدعم هذه المحاولة، إلا أن المؤرخين أبن فهد المكي (توفي في عام 885 هـ) والمؤرخ المصري الجزيري (بعده بمئة عام) لم يشككا في وقوع هذا المشروع الفاشل.
تفتيش منزل جعفر الصادق وسرقته
في عام 400 هـ الموافق لعام 1010 م، أرسل الحاكم باروختكير المضدق إلى المدينة المنورة لتفتيش منزل جعفر الصادق، الذي لم يجرؤ أحد على فتحه بعد وفاته، بحثًا عن كنوز وثروات. جمع باروختكير كل ما وجده في المنزل، بما في ذلك مصحفًا وقعبًا مطوقًا بالحديد وسجادة خيزرانية ودرعًا وسريرًا. ثم حمل كل هذا إلى القاهرة مرافقًا بعض الشيوخ العلويين، وعندما وصلوا إلى الحاكم، منحهم بعض الأموال القليلة وأعاد السرير لهم، واحتفظ بالباقي قائلاً إنه يستحقه أكثر منهم. من بين هذه الكنوز كان هناك قطعة من حصير كانت تستخدم كسجادة صلاة للخلفاء خلال صلاة الفطر. وليست هذه هي الكنوز الوحيدة التي احتفظ بها الفاطميون، بل كان لديهم أيضًا سيف ذو الفقار الذي يعود لعلي بن أبي طالب، وسيف الحسين بن علي، ودرع حمزة بن عبد المطلب، وسيف جعفر الصادق.
الغموض يكتشف سياسة الحاكم الدينية
الحاكم يتسم بالغموض والاضطراب، حيث تشير السجلات التاريخية إلى أن سياسة الحاكم الدينية كانت غامضة للغاية ومثيرة للشك. كان يتبع سياسة صارمة تجاه أهل الذمة، على الرغم من الروح التسامح التي سادت في عصر الفاطميين الآخرين. يبدو أنه حاول فرض “العهد العمري” على الناس، ولكنه في الوقت نفسه لم يلتفت إلى مشاعر أتباع السنة. في عهده، انتشرت سباب الصحابة رضوان الله عليهم، حيث أمر بكتابتها على جدران المساجد والمحال التجارية والمنازل. كانت هذه الكتابات مزينة بالأصباغ والذهب، وتسببت في غضب أهل السنة. لاحقًا، تراجع الحاكم عن هذه السياسة وأمر بمحو هذه الكتابات.يذكر أن الحاكم كان يتعامل بعنف مع مساعديه ومقربيه، وكانت حياة الناس مهددة تحت حكمه. زادت حالات الغدر وعدم الوفاء بالأمانات خلال فترة حكمه، وقد قتل الحاكم معظم وسطائه وقضاته. بينما أعرب الحاكم عن ندمه لعدم قتل زرعة بن عيسى بن نسطورس ورجال الدعوة الذين قاتلوا لصالح الدولة مثل الحسين ابن القائد جوهر وعبد العزيز بن النعمان.
بالإضافة إلى ذلك، تم استغلال الحاكم لأموال الناس في رحلاته الشخصية لتعزيز شعبيته ونظامه الحاكم. هذا أثار استياء الأشخاص البارزين في الدولة. وعلى الرغم من ذلك، أصر الحاكم على سياسته وتهديد خصومه بمثل إعدام أشخاص بارزين مثل الحسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان في عام 401 هجرية.في عام 400 هجرية، أصدر الحاكم مرسومًا يلغي فيه فرض الخمس والزكاة والفطرة والنجوى وإبطال مجالس الحكمة في القصر، ولكنه عاد وأعاد تطبيق هذه الضرائب والتشدد فيها. في عام 402 هجرية، أصدر الحاكم مرسومًا يحظر فيه توجيه لقب “الإمام” له، واكتفى بلقب “أمير المؤمنين”.
No Comment! Be the first one.