في عام ١٩٢٣، شهدت البحرين تغييراً كبيراً في نظام الحكم والإدارة، بعد أن قامت السلطة البريطانية بعزل الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، الذي حكم البلاد منذ عام ١٨٦٩، وتعيين ابنه الشيخ حمد بن عيسى حاكماً جديداً. وكان هذا التغيير نتيجة لسنوات من الظلم والفساد والاضطرابات التي عانى منها الشعب البحراني، والتي دفعت بالبريطانيين إلى التدخل لإجراء إصلاحات إدارية ومالية وقضائية تهدف إلى تحسين الأوضاع في البلاد وتأمين مصالحهم في المنطقة.في هذا المقال، سنستعرض أبرز هذه الإصلاحات وأسبابها وآثارها على المجتمع البحراني، وسنتناول ردود فعل مختلف الفئات والقبائل تجاه هذه الإصلاحات، وكذلك الموقف البريطاني منها. كما سنسلط الضوء على دور الشخصية الجديدة في قيادة البحرين، الشيخ حمد بن عيسى، وكيف تعامل مع التحديات التي واجهته في بداية حكمه.
الضغط البريطاني على الشيخ عيسى لإدخال الإصلاحات
في ١٧ نيسان (أبريل) ١٩٢٣، أرسل نائب الملك البريطاني في الهند رسالة إلى وزير الخارجية في حكومة الهند البريطانية في لندن جاء فيها ما يلي:
«أننا نوافق على إدخال إصلاحات إدارية ومالية في البحرين ضمن الخطوط العامة التي رسمها المقيم السياسي لأن سوء الحكم وصل إلى الحضيض. ولكننا في شك حول ما إذا كان الإقرار باستمرار سوء الحكم في ظلّ الوضع الإسلامي الحالي لن يؤدي إلى تعليقات أقل عداء من التدخل بالقوّة من جهتنا. ولذلك نحن متحمسون لاستعمال كل الوسائل لحمل الشيخ عيسى على العمل، بشكل يوحي باستقلاليته، لإصلاح بيته من الداخل لمصلحته الشخصية ولمصلحتنا نحن كذلك، ونأمل إذا كان ممكناً، تحاشي التدخل السافر.
ونعتقد أنه يمكن حمل الشيخ على القيام بذلك إذا شرح له بوضوح أن رعاياه لم يثوروا عليه بسبب حمايتنا له وحدها، وأننا سوف ندعمه في القيام بإصلاحات إذا أدخلها الآن، وأنه في حال فشل في ذلك، فإنَّا مصمَّمون على إدخالها بأنفسِنَا حتى لو تطلب ذلك عزله بالقوة ونفي عبدالله إلى الهند (وفي حال نفي عبدالله، فإن تكاليف إعاشته سوف تكون من مداخيل جمارك البحرين). ونأمل أن يؤدي ذلك إلى موافقة الشيخ عيسى أو تنازله لتسهيل مهمة إدخال الإصلاحات تحت حكم الشيخ حمد. ونحن موافقون على توجيه هذا الإنذار الواضح بهذا الخصوص، وإذا لم ينجح الإنذار علينا أن نكون مستعدين لفرض الإصلاحات بأنفسِنَا، وهذا التصرّف من قبلنا سوف يطرح مسألة وجودنا في البحرين وقد ينتج عنه رد فعل غير محبّذ من قبل ابن سعود، ولكنَّا نفترض أن حكومة صاحب الجلالة ستكون مستعدة لمواجهة هذه التبعات».
رفض الشيخ عيسى للتنازل عن الحكم وعزله بالقوة
وفي ٢٠ أيار (مايو) ١٩٢٣ التقى المقيم السياسي بالشيخ عيسى لاطلاعه على قرار الحكومة البريطانية حول الإصلاحات، فأجاب الشيخ عيسى أنه لن يتنازل عن الحكم بملء إرادته. أمام هذا العناد، أعطى المقيم السياسي عيسى مهلة ثلاثة أيام للتفكير في الأمر، فإما يتنازل بمحض إرادته وإما يطاح بالقوة.وُعزل الشيخ عيسى رسمياً في ٢٦ أيار (مايو) ١٩٢٣ واستلم حمد الحكم.
الإصلاحات المقترحة من قبل السلطة البريطانية
شملت الإصلاحات التي اقترحها المقيم السياسي البريطاني أموراً عدّة نذكر منها ما يلي:
١ – الجمارك
أجرى باور، الذي كان يعمل في دائرة الجمارك الهندية الملكية، حسابات ودراسات حول الجمارك في البحرين. فتبيّن له أن شركة ((جانجارام تيكامداس» التي كانت مسؤولة عن الحسابات في عهد عيسى اختلست ٧٠ ألف روبية، واسترجعها منها. وأراد باور أن ينظم دفع الضرائب الجمركية، بعد أن كان التجار يدفعون مرة أو مرتين في السنة.
٢ – الشرطة
اقترح المقيم السياسي تكوين شرطة تتألف من ٢٠٠ إلى ٢٥٠ عضواً يكونون النواة للجيش البحراني. واستعان بضابط بريطاني لتنظيم هذه الشرطة.
٣ – تسجيل الأراضي
كان من الصعب تسجيل الأراضي ومسحها بعد سنوات الظلم التي عرفتها البلاد. لذلك أعلن المقيم أن كلّ شخص يبرز صك ملكية لأرض ما يسترجعها.
٤ – نظام الغوص
في الواقع، لم يكن المقيم السياسي يرغب في تغيير نظام الغوص بل كان يود أن يتم تطبيقه كما يجب. لذلك اقترح أن تتم الإصلاحات التالية:
- أن يحتفظ النواخذة بحسابات مفهومة ومرتبة.
- يعطي النواخذة الغواصين نسخة عن حساباتهم في كلّ فصل.
- أن يكون أعضاء محكمة السليفة يفهمون في الحسابات.
قد تبدو لنا هذه المطالب سهلة التنفيذ اليوم، غير أنه في ذلك الوقت كانت غالبية النواخذة من الأمية، أما أعضاء محكمة السليفة فكان من النادر أن نجد أشخاصاً تطابق عليهم المواصفات المطلوبة. وأمام هذه المشاكل، اقترح المقيم أن تنشأ دائرة خاصة للغوص تهتم بالقضايا قبل شهر من بدء الموسم، وبعد شهر من نهايته.
٥ – النظام القضائي
اقترح المقيم السياسي توظيف ثلاثة بريطانيين، أحدهم مديراً للجمارك والثاني ضابطاً لقوة الشرطة والثالث لتعليم أبناء الشيخ حمد.
٦ – الناحية المالية
خصص المعتمد السياسي لكلّ فرد من آل خليفة مبلغ ٣٠٠٠٠ روبية وهذا لا يشمل أموال التقاعد ورواتبهم الشهرية. أما الشيخ عيسى فخصص له مبلغ ٤٠٠٠ روبية شهرياً مع علاوة سنوية قدرها ٢٠٠٠ روبية. غير أن هذا المبلغ لم يعجبه، مع العلم أنه لا ينفق سوى على نفسه وعلى زوجته. وكان البنك الشرقي، وهو البنك الرسمي المعتمد، يضيف فضلاً عن هذه المخصصات مبلغاً شهرياً لحسابات منفصلة تشمل صندوق الاحتفالات الدينية وصندوق الانتقال الصيفي وصندوقاً احتياطياً.
ردة فعل البحرانيين تجاه الإصلاحات
١ – أفراد آل خليفة
في عهد الشيخ عيسى بن علي كان كلّ فرد من آل خليفة حاكماً على منطقة في البحرين، يفرض عليها ضرائب متعسفة وينكل بسكّانها من خلال جيش من الفداوية. فرأوا في الإصلاحات الإدارية التي قد تحدّ من نفوذهم تهديداً صريحاً موجهاً ضدهم، لذلك واجهوا حمد. حتى أنّ عبدالله شقيق حمد قدم مبلغ ١٠٠٠٠ روبية إلى فريق من المعارضين للإصلاحات لإثارة المشاكل في تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٢٣.
٢ – القبائل السنية
لم ترضَ القبائلِ السنية بالإصلاحات ولا حتى بتعيين حمد حاكماً على البلاد. وعبرت عن رأيها هذا برسائل وجهت إلى المقيم السياسي واعتبرت فيها أن اقصاء الشيخ عيسى عن الحكم هو تدخل بريطاني في شؤون البحرين الداخلية. وطالبت بإعادة عيسى بن علي إلى الحكم.
أمام هذا الرفض والمعارضة خشي السكّان البحرانيون من أن يتغير موقف بريطانيا، فكتبوا عريضة يؤيدون فيها حكم الشيخ حمد.
وإزاء هذا الموقف عادت القبائل السنية واجتمعت ووضعت عريضة جديدة في ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) شدّدت فيها على رأيها السابق.
٣ – قبيلة الدواسر
هذه القبيلة هي ثاني قبيلة في البحرين من حيث الكبر والعدد والأهمية بعد قبيلة آل خزام. وصل الدواسر إلى البحرين سنة ١٨٤٥ كمهاجرين من نجد. ويعمل معظم أفرادها في الغوص وتجارة اللؤلؤ وزراعة النخيل. أما من حيث الدين فهم سنة من أتباع المذهب المالكي. ويتمتع الدواسر في البحرين بشبه استقلال، إذ لا يعرفون أية ضرائب على تجارة اللؤلؤ وزراعة النخيل ويعترضون على أية محاولة يقوم بها الحاكم للتدخل بشؤونهم.
الدواسر والإصلاحات
ما أن تناهت إلى مسامع الدواسر أخبار الإصلاحات الإدارية، حتى خشيوا من إمكانية طردهم من البحرين. فاستغل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود هذا الوضع، وحثهم على رفض الإصلاحات. فحصل ما خشيه الدواسر، إذ أعلن المعتمد البريطاني في ٢٦ أيار (مايو) ١٩٢٣ عن تعيين حمد بن عيسى حاكماً، وعن طرد الدواسر من البحرين بعد أن تتم مصادرة أملاكهم وأموالهم. فجاءت ردة فعلهم قوية، إذ أقدموا على قتل عالم شيعي هو الشيخ عبدالله العرب ورفيقه الحاج حسين بن رمضان.على أثر هذه الحادثة، ألقي القبض على عدد منهم، وفرضت غرامة مالية على شيخهم أحمد الدوسري قدرها ١٥ ألف روبية. ومن ثم فروا مع شيخهم إلى شبه جزيرة العرب حيث التقوا بابن سعود وأبرموا معه صفقة.
أسباب رفض الدواسر للإصلاحات
كان الدواسر يتمتعون بصلاحيات واسعة وبقوة حقيقية في البحرين، لا سيّما في عهد الشيخ عيسى بن علي الذي كان يعتمد عليهم للتنكيل بالشيعة. كانوا يدفعون ضريبة رمزية على الغوص، لكنهم توقفوا عن ذلك مع مرور السنوات. وعندما بدأ الشعب البحراني يتحرك ضد الظلم سنة ١٩٢١، اقترح الدواسر على الشيخ أن يستخدم أسلوب القمع والعنف لحلّ هذه المشكلة. لكنه أدرك خطورة اعتماد هذا الأسلوب وتخوّف من حصول ثورة شعبية تطيح بحكمه. وأمام رفض الشيخ لاقتراحهم، طلبوا منه أن يسمح لهم بحل المسألة بأنفسهم، فلم يوافق على هذا أيضاً لأنه كان يتخوّف من نواياهم الحقيقية .
ولإرضاء الشيخ عبدالله والتنكيل بأخيه، قام الدواسر باعتداءات عديدة استهدفت الشيعة.
وكما ذكرنا سابقاً، كانت غالبية الدواسر تعمل كنواخذة في مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ، لذلك رأوا في الإصلاحات المقترحة تهديداً لمصالحهم يضع حداً لنفوذهم في هذه المهنة. اضف إلى ذلك أن الإصلاحات كانت تهدف للمساواة بين جميع الطبقات الاجتماعية في ما يتعلق بالضرائب والقضاء.
No Comment! Be the first one.