لم يشغل ستيف جوبز نفسه بالبحث عن والديه البيولوجيين، حتى بعد اكتشافه الحقيقة ومعرفته أنه ابن متبنٍ لعائلة جوبز التي يحمل اسمها، وكان يؤكد دائمًا أن والديه الحقيقيين هما آل جوبز. طوال تلك السنوات لم يحاول ستيف جوبز لقاء أبيه حتى بعدما طلب الأخير ذلك علنًا. رغم أن عبد الفتاح أرسل مرة رسالة إلى ابنه في عيد ميلاده لكنه لم يحصل على رد.
ستيف جوبز نشأ في منزل العائلة التي تبنته في المنطقة التي أصبحت تُسمى لاحقًا بوادي السيليكون، وهو مركز صناعات التكنولوجيا الأميركية. درس جوبز في المدرسة فكان يذهب للعمل في الإجازة الصيفية، وأظهر شغفًا بالإلكترونية منذ صغره فأصبح مولعًا بالتكنولوجيا وكيفية عمل الآلات. كان أول ابتكار له وهو في المرحلة الثانوية عبارة عن شريحة إلكترونية، وتلقى دورة تدريبية في «إتش بي» الذي كان قريبًا من منزله في مدينة بالو ألتو وهناك تعرف على وزنياك، وصار بينهما صداقة قوية. واللذان حققا معًا خطوات هامة في عالم التكنولوجيا لاحقًا.
تعليمه
بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، انضم جوبز إلى جامعة ريد في ولاية أوريغون، ولكنه لم ينجح في الجامعة وانسحب في السنة الأولى بسبب صعوبات مالية تواجه عائلته التي كانت من طبقة العمال. بدأ بعد ذلك دراسة الشعر والخط، ولكنه كان يحلم بمكان آخر، وهو ولاية كاليفورنيا وبالتحديد “وادي السيليكون”.
بعد تركه للدراسة، عمل جوبز على تطوير مهاراته في مجال التكنولوجيا والإلكترونيات. قدم اقتراحاته في مجال الإلكترونيات لشركة أتاري الرائدة في صناعة ألعاب الفيديو وحصل على وظيفة كمصمم ألعاب. هذا العمل كان له هدفًا واحدًا، وهو توفير المال اللازم لرحلته المستقبلية إلى الهند. بعد فترة، غادر جوبز وظيفته ليسافر إلى الهند ومن ثم عاد مرة أخرى للاستمرار في العمل في شركة أتاري.
بعد تركه لبورتلاند، انتقل جوبز إلى الساحل الغربي وعمل في مصنع ألعاب الفيديو أتاري. استمرت صداقته مع وزنياك، وقاموا بعدة تجارب. ابتكر جوبز جهاز هاتف يمكنه إجراء مكالمات بعيدة مجانية.
ثم عادا إلى حلمهما الكبير، وفي مرآب للسيارات بدأوا العمل على أول حاسوب لهم. باع جوبز سيارته الشخصية وبيع وزنياك آلته الحاسبة العلمية لتأسيس شركتهما، وهذه الشركة أسست في عام 1976 وأُطلق عليها اسم آبل نسبةً إلى فاكهة جوبز المفضلة. بعد ذلك، انتقل جوبز من بيتلاند إلى الساحل الغربي وساهم في تحقيق النجاح الهائل لشركة آبل بمساعدة صديقه وزنياك.
وتجدر الإشارة إلى أن جوبز سافر إلى الهند في مرحلة شبابه وعاد بتأثر بالبوذية وأصبح نباتيًا طوال حياته. وبفضل اجتهاده وتصميمه، تحولت شركة آبل إلى إمبراطورية تكنولوجية تقدر قيمتها بمئات المليارات وتنافس الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل. في عام 2011، أصبحت آبل أكبر شركة في العالم بقيمة تقدر بحوالي 350 مليار دولار.
التقاء جوبز بوزنياك وبداية شراكتهما
في العام 1970، تغيرت حياة ستيف جوبز بشكل جذري عندما تعرف على ستيف وزنياك، مهندس الحاسوب والمبرمج الموهوب. أصبح الاثنان أصدقاء مقربين، ورغم أن جوبز لم يكن خبيراً في الإلكترونيات، إلا أنه أدرك قيمة الابتكار الذي ابتكره وزنياك من كمبيوتر جديد. شعر جوبز بأن هذا الاختراع يمكن أن يغير العالم، وقرر أن يسوق له ويجعله متاحاً للجمهور. لم يكتف جوبز بمعرفته المحدودة، بل سعى لتحقيق حلمه بشغف وإصرار.
تأسيس شركة أبل في كراج منزل جوبز
عاد جوبز إلى عمله في شركة أتاري، وانضم إلى نادٍ محلي للكمبيوتر مع صديقه وزنياك، الذي كان يعمل على تطوير كمبيوتره الخاص. في عام 1976، نجح جوبز في إقناع متجر محلي للكمبيوترات بشراء 50 جهاز من كمبيوتر وزنياك قبل حتى أن يصنعها. بفضل هذا الطلب، استطاع جوبز أن يحصل على مكونات الكمبيوتر من أحد موردي الإلكترونيات دون الحاجة إلى دفع ثمنها مسبقاً. وهكذا، تم إنتاج كمبيوتر أبل 1، الذي كان أول منتج لشركة أبل. لكن تطوير هذا الكمبيوتر كان باهظ التكاليف، فأقنع جوبز مستثمرًا محليًا اسمه مايك ماركولا بتقديم 250 ألف دولار كرأس مال. وبذلك، تشكلت شركة أبل رسميًا في عام 1976 بشراكة بين جوبز ووزنياك وماركولا. اضطر جوبز لبيع سيارته لتغطية نفقات المشروع.
ثورة الحاسوب الشخصي والابداعات التقنية
أحدث جوبز وشريكه المؤسس وزنياك ثورة في عالم الحاسوب الشخصي في النصف الثاني من السبعينات، حيث قدموا للعالم جهاز أبل 2، الذي كان أول كمبيوتر شخصي ناجح يتم إنتاجه تجاريًا. وفي عام 1984، أطلقت شركة أبل جهاز ماكنتوش، الذي كان أول نظام تشغيل ناجح يستخدم واجهة رسومية وفأرة. كانت هذه التقنيات ثورية وغير مسبوقة، وحقق الجهاز نجاحًا وانتشارًا كبيرين في مواجهة منافسيه من شركات إنتل ومايكروسوفت. لكن بعد عام واحد فقط من هذا الإنجاز، اندلعت صراعات داخلية في شركة أبل، انتهت بإقالة جوبز من منصبه.
مغادرة جوبز لأبل وإنشاء شركات جديدة
بعد مغادرته لأبل، أسس جوبز شركة جديدة تحمل اسم نكست، التي ركزت على تطوير منصات عمل ذات إمكانيات متطورة بدلاً من الحواسيب الشخصية. في هذه الشركة، طور جوبز نظام برمجيات يسمى أوبجيكت أرونتد، الذي كان الأساس لنظام تشغيل ماك الحديث. وفي عام 1986، اشترى جوبز قسم رسوميات الحاسوب في شركة لوكاس فيلم، وحوله إلى شركة بكسار، التي أصبحت واحدة من أكبر شركات إنتاج أفلام الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد. قدمت هذه الشركة بعضًا من أشهر وأنجح الأفلام في تاريخ هذه الصناعة.
عودة جوبز إلى أبل وإطلاق سلسلة من المنتجات الثورية
في عام 1997، عاد جوبز إلى شركة أبل بعد أن اشترت شركة نكست التي كان يديرها. استعاد جوبز قيادة شركة أبل، التي كانت تعاني من خسائر مالية وانخفاض في سوق الحاسوب. قام جوبز بإعادة هيكلة الشركة وإطلاق سلسلة من المنتجات الابتكارية التي غيرت وجه التكنولوجيا والثقافة. بدأ جوبز بإطلاق آي بود في عام 2001، وهو جهاز محمول لتخزين وتشغيل الموسيقى. ثم أطلق آي فون في عام 2007، وهو هاتف ذكي يجمع بين الاتصالات والإنترنت والمالتيميديا. وأخيرًا، أطلق آي باد في عام 2010، وهو حاسوب لوحي يعمل باللمس.
مسار أبل: الارتفاع والهبوط
في عام 1982، بدأ ستيف جوبز في سعيه لإقناع جون سكولي، من شركة “بيبسي”، بتولي منصب المدير التنفيذي لشركة أبل. في ذلك الوقت، تم إطلاق جهاز جديد يسمى “ليزا” إلى السوق، وعلى الرغم من تقنيته المتقدمة، إلا أنه فشل بسبب سعره المرتفع. بعد ذلك، قام جوبز بجهد كبير لتطوير “ليزا” وتبسيط التكنولوجيا المستخدمة فيه. وفي عام 1984، تم إطلاق أول كمبيوتر “ماكنتوش”، الذي حقق نجاحاً كبيراً وسيطر على السوق.
سارت أسهم أبل بسرعة نحو القمة، حيث في عام 1980، تم طرحها للاكتتاب العام بسعر 22 دولارًا للسهم، وقفزت إلى 29 دولارًا، مما زاد قيمة السوق لشركة أبل إلى 1.2 مليار دولار. كان جوبز مساهمًا كبيرًا في الشركة، حيث كان لديه نسبة 15٪ من الأسهم. قاد جوبز أبل إلى مكانة الصدارة في قائمة الشركات العالمية الخمسين الأكثر ابتكارًا في العالم ثلاث مرات، وحصلت الشركة على جوائز عديدة بما في ذلك جائزة بزنس ويك العالمية. وسجلت أبل أرقامًا قياسية غير مسبوقة خلال فترة حكمه.
جوبز يعتبر مخترع فأرة الحاسوب في بدايات عصر الكمبيوتر الشخصي، ولديه الفضل في ابتكار الشاشات التي تعمل باللمس وأجهزة الكمبيوتر اللوحية. هذه النجاحات جعلت أبل تتصدر في السنوات الأخيرة، وأصبحت أغلى شركة في العالم بقيمة سوقية تزيد عن 375 مليار دولار. في أغسطس، تفوقت أبل مؤقتًا على إكسون موبيل في بورصة نيويورك، لتصبح الشركة الأعلى قيمة في العالم، قبل أن تعود إلى المرتبة الثانية.
انشاء سلسلة متاجر لأبل
ت أبل، وعلى الرغم من مخاوفه من تداول منتجات الشركة في هذه المتاجر نظرًا لعدم جدوى مثل هذه المبادرات من حيث الأرباح، وكذلك تشتت الاهتمام بين إدارة المتاجر وتطوير الأعمال الأخرى، إلا أن جوبز قام بتطوير نموذج فريد. حيث جعلت محلات أبل تجربة شبيهة بالزيارة إلى متحف يحتضن تاريخ الشركة، وهذا بالإضافة إلى توجيه اهتمام كبير نحو توفير رفاهية وتميز للعملاء قبل وبعد عملية الشراء. وقد كان من المعتاد سابقًا في سوق الكمبيوتر الأمريكي أن يتم طلب المنتج ومن ثم التوصيل بعد فترة زمنية، ولكن قرر جوبز تغيير هذا النمط أيضًا. وقال جوبز في ذلك السياق: “عندما أشتري شيئًا وأعود به إلى منزلي، أود أن أرى بنفسي تعبير الفرحة على وجوه أطفالي، لا عامل التسليم”. ونجحت محلات أبل في تسويق منتجاتها بشكل مبتكر، مما أدى إلى زيادة مبيعاتها وتحقيق أرباح استثنائية.
وتظل العلاقة القوية بين أداء أسهم أبل وثبات مجتمع محبيها مرتبطة بشكل كبير بصحة جوبز. حينما تم الإعلان عن عدم مشاركة جوبز في حدث MacWorld في عام 2009، انتشرت شائعات حول صحته، وصفه البعض بأنه على فراش الموت، مما أثر سلبًا على استقرار الشركة من الناحية الإعلامية والاقتصادية. وفي خطابه لجمهور محبي أبل وعملائه، أكد جوبز بشكل شخصي أن صحته لا تزال جيدة.
واستمر جوبز في سعيه للتطور وابتكار التكنولوجيا، وقدمت الشركة العديد من المنتجات مثل أبل 3، ورغم أنها لم تنجح في البداية بسبب بعض العيوب التقنية، إلا أنه استمر في الابتكار والتطوير. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت منافسة قوية من قبل شركة IBM التي قامت بإنتاج أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وبفضل جهود جوبز الحازمة، استمرت أبل في المنافسة بنجاح في سوق التكنولوجيا.
قصة شعار أبل: التفاحة المقضومة
كان ستيف جوبز مؤسس شركة أبل، واحدًا من أشهر رواد التكنولوجيا والابتكار في التاريخ. اختار جوبز التفاحة كرمز لشركته، لأنه كان يحب هذه الفاكهة وعمل في حقل تفاح في فترة من حياته. كما أن التفاحة ترمز إلى البساطة والجمال والذكاء، وهي صفات تميز منتجات شركة أبل.
في بداية تأسيس شركة أبل في عام 1976، قرر جوبز أن يجعل شعار الشركة عبارة عن رسم لشجرة تفاح يجلس تحتها العالم إسحاق نيوتن، وهو مكتشف قانون الجاذبية. كان هذا الشعار يعبر عن رؤية جوبز للابتكار والإلهام. لكن هذا الشعار كان معقدًا وغير واضح عند طباعته على المنتجات. لذلك، قرر جوبز استبداله بشعار أبسط وأكثر جاذبية، وهو تفاحة مقضومة. كانت القضمة تدل على ثمرة المعرفة التي قضمها آدم في الجنة، والتي تمثل الفضول والإبداع. كما كانت القضمة تساعد على التمييز بين التفاحة وغيرها من الفواكه.
في عام 1977، قام جوبز بإضافة ألوان قوس القزح إلى شعار التفاحة المقضومة، ليجعله أكثر حيوية وجمالًا. كانت الألوان ترمز إلى قدرات شركة أبل المتنوعة والشاملة في مجال التكنولوجيا. كما كانت الألوان تعبر عن رسالة جوبز لإظهار التنوع والانفتاح في ثقافة شركته. استخدم جوبز هذا الشعار الملون حتى عام 1998، ثم قام بإزالة الألوان وجعل الشعار أسود أو فضي أو رمادي، ليتناسب مع تصاميم المنتجات الجديدة.
استقالته
في عام 2004، أصيب ستيف جوبز بسرطان البنكرياس، وهو مرض خطير جداً. ولكنه كان لديه شكل نادر من هذا المرض، أقل خطورة من الأشكال الأخرى. رفض جوبز في البداية الخضوع للعلاج الطبي التقليدي، واختار اتباع نظام غذائي خاص. ولكن في يوليو 2004، قرر أن يجري عملية جراحية لإزالة الورم وجزء من البنكرياس والأمعاء. تمت العملية بنجاح، ولم يحتاج جوبز إلى علاج كيماوي أو إشعاعي. خلال فترة تعافيه، تولى تيم كوك مسؤولية إدارة أبل كمدير للمبيعات والعمليات حول العالم.
في أغسطس 2011، استقال ستيف جوبز من منصبه كمدير تنفيذي لأبل، بسبب تدهور حالته الصحية. وكتب في رسالته إلى مجلس الإدارة: “كنت دائماً أقول إنه إذا جاء يوم لا أستطيع القيام بواجباتي وتحقيق توقعاتكم كمدير تنفيذي لأبل، فسأخبركم بذلك. للأسف، هذا اليوم قد حان. ولذلك، أود أن أستقيل من منصب المدير التنفيذي لأبل. وأود أن أستمر، إذا رغب المجلس في ذلك، كرئيس للمجلس، ومدير وموظف في أبل. وأنصح بشدة بتنفيذ خطة الخلافة التي وضعناها، وتعيين تيم كوك كمدير تنفيذي جديد. أعتقد أن أفضل أيام أبل ما زالت قادمة. وأتطلع لرؤية ما ستخلقه والمساهمة في نجاحها من موقع آخر. لقد كان لدي أصدقاء رائعون في أبل، وأشكرهم على سنوات العمل المشتركة”. – ستيف جوبز.
كان ستيف جوبز قد خضع لزرع كبد في يناير 2011، بعد أن نجا من سرطان البنكرياس في 2004. انخفض سعر سهم أبل بنسبة 7% بعد إعلان جوبز في يونيو 2011 عن انسحابه مؤقتاً من مهامه كمدير تنفيذي لأبل، بسبب مضاعفات صحية. قال جوبز إن مرضه “أكثر تعقيدًا قليلًا” مما كان يظن. تولى تيم كوك المسؤولية عن إدارة الشركة حتى عودة جوبز، بينما ظل جوبز مشاركًا في القرارات الاستراتيجية الكبرى. توفي ستيف جوبز في 5 أكتوبر 2011.
No Comment! Be the first one.