تاريخ الكويت
إختلف المؤرّخون في ما اختلفوا حول هوية الشعوب التي سكنت الكويت في التاريخ القديم. وعلى الرغم من هذا الإختلاف، ندرك أنّ لهذه المنطقة تاريخاً عريقاً في القدم، إذ كانت تربط الشرق الأدنى القديم، أي بلاد ما بين النهرين وسوريا والأناضول ومصر، بجنوب شرق آسيا، أي الهند والصين. ومن بين هذه الشعوب التي عبرت أو استقرت في الكويت نذكر:
- السومريون: كانوا من أولى الشعوب التي أسست حضارة في بلاد ما بين النهرين حوالي سنة ٤٥٠٠ ق.م. وكان لهم تجارة نشطة مع جنوب شرق آسيا عبر خليج فارس. ويرجح أنهم مروا بالكويت قبل وصولهم إلى بلاد ما بين النهرين، وأثروا على ثقافة ولغة سكان المنطقة.
- الفينيقيِّون: كانوا شعباً بحريّاً ماهراً يسكن ساحل البحر الأبيض المتوسّط في لبنان وسورية وفلسطين. ويرى بعض المؤرخين أنهم سكنوا في الكويت قبل تأسيس حضارة ديلمون في جزر البحرين وفيلكا (أحدى جزر الكويت) حوالي سنة ٣٠٠٠ ق.م. وقد عُثِرَ على آثار تدل على تأثيرهم في المجالات الدينية والفنية والإدارية.
- الاغريق: كانوا شعباً يسكن جزيرة البلقان وشبه جزيرة آسيا الصغرى، وأشهروهم هو الاسكندر الكبير، الملك المقاتل، الذي غزى بلاد فارس والشرق في سنة ٣٢٦ ق.م. ويرى بعض المؤرخين أنه أرسل أسطوله لاستكشاف خليج فارس، فأقام في فيلكا مستعمرة يونانية، تظهر آثارها في نصب تذكارية وأعمدة وآنية وتماثيل.
- العرب: كانوا شعباً يسكن شبه جزيرة عربية، وأشهروهم هو محمد بن عبدالله، رسول الإسلام، الذي بعث برسالة توحيدية وإصلاحية في القرن السابع الميلادي. ويرى بعض المؤرخين أنهم عرفوا الكويت قبل الإسلام، وذكروها باسم كاظمة، وشهدت معارك بين قبائل عربية متنافسة.
الفتح الإسلامي: نهاية الفرس وبداية العرب
شهدت الكويت سنة ١٣٣م (١٢هـ) أوّل معركة بين الفرس والمسلمين الذين راحوا ينشرون في الأقطار البعيدة رسالة النبي محمد، فروت الدماء العربية والفارسية أرض الكويت، وتراجع الفرس أمام قوّة المسلمين الذين كان يقودهم الخليفة أبو بكر الصديق. وفي عهد عمر بن الخطّاب أراد العرب فتح بلاد فارس فسلكوا طريق الخليج. وعرفت التجارة في الخليج عصرها الذهبي في عهد الدولة الأموية أولاً والعباسية ثانياً، لا سيّما بعد تشييد مدينة بغداد. فوردت الكويت باسمها القديم، كاظمة، على ألسنة الشعراء وذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان. وأصبحت محطة هامة للتجارة والاتصال بين شرق آسيا وغرب المشرق.
تأسيس الكويت الحديثة
أطلق البرتغاليون عندما بنوا حصناً لهم في فيلكاً اسم (القرين) على الكويت. أمّا اسم الكويت الحالي فهو تصغير لكوت، أي البيت العالي المبني كقلعة. وسميت كذلك نسبة إلى الحصن الذي بناه فيها محمد بن عريعر زعيم بني خالد. واختلف المؤرّخون حول تاريخ تأسيس الكويت الحديثة. ويقول البعض إنّها كانت قرية صغيرة سكنتها مجموعة من البدو وصيادي الأسماك حول الحصن المذكور سابقاً. غير أنّها لم تنمُ إلاّ بعد أن أقام فيها آل الصباح.
آل الصباح هم من قبيلة العتوب، وهي فرع من فروع قبيلة عنيزة التي هي من أهم وأكبر قبائل نجد. وقد هاجر العتوب من نجد منذ مطلع القرن الثامن عشر بسبب الحروب التي نشبت بين القبائل فاستقرّوا في الكويت التي كان يحكمها بنو خالد. وأدّى وصول آل الصباح إلى الكويت إلى تعزيز ثرواتها وازدهار تجارتها فقوي مركزهم الاجتماعي واستطاعوا الإطاحة ببني خالد. واستلم زمام السلطة في الكويت جابر. أمّا اسم العائلة آل الصباح فهو يعود لصباح بن جابر، أول حاكم من هذه الأسرة، والذي وصل إلى الحكم سنة ١٧٥٢ وبقي حتى ١٧٦٢. وأصبحت الكويت في عهده إمارة قادرة على الدفاع عن نفسها وصدّ الإعتداءات التي تهذّد كيانها، فضلاً عن أنّها ساعدت كلّ من لجأ إليها. وراحت تجار إمارة الكويت المزدهرة تلفت أنظار الدول الأجنبية وتدغدغ أحلامها وطموحها، لا سيّما في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر.
التحديات والانجازات: ملاحم واتفاقات
- الخلاف بين سكّان الكويت وآل خليفة: كان سكّان كعب من آل خليفة يطمعون في الكويت لما فيها من ازدهار تجاري فأرادوا امتلاكها. وسرعان ما اكتشف الكويتيون ما كان يضمره أهل كعب. فجرت مواجهة عنيفة بينهما انتهت بنصر الكويتيين فرحل آل خليفة من الكويت وتوجهوا إلى البحرين حيث أصبحوا حكاماً.
- الاتفاقية الأولى مع بريطانيا: في عام ١٨٢٩، تعرضت الكويت لهجوم من قبل قبائل عربية مجاورة، فطلب حاكم الكويت جابر بن عبدالله الصباح المساعدة من بريطانيا، التي كانت تحمي تجارة الهند. فأرسلت بريطانيا سفيرها السير هنري بيلفور إلى الكويت، وأبرم مع جابر اتفاقية تضمن فيها حماية الكويت من أي هجوم خارجي، مقابل تعهد جابر بعدم التدخل في شؤون دول الخليج الأخرى.
- الاتفاقية الثانية مع بريطانيا: في عام ١٨٩٩، تولى حكم الكويت مبارك الصباح، والذي كان يخشى من تدخل الدولة العثمانية في شؤون الكويت، خصوصاً بعد أن أعلنت نفسها سلطانة على دول الخليج. فأبرم مع بريطانيا اتفاقية تضمن فيها استقلال الكويت عن الدولة العثمانية، والحصول على حماية بريطانية كاملة، مقابل تعهد مبارك بعدم التحالف أو التجارة مع أي دولة أخرى دون موافقة بريطانية.
- الاتفاقية الثالثة مع بريطانيا: في عام ١٩١٣، تصاعد التوتر بين الكويت والسعودية، التي كان يحكمها الملك عبدالعزيز آل سعود، والذي كان يسعى لتوحيد شبه جزيرة عربية تحت سلطانه. فأبرم حاكم الكويت جابر الصباح اتفاقية مع بريطانيا تضمن فيها تحديد حدود الكويت والسعودية، وإقامة منطقة محايدة بينهما لإدارة المصالح المشتركة. وأقرّ الملك عبدالعزيز هذه الاتفاقية في عام ١٩٢٢.
معركة البريم: نصر كويتي على آل سعود
قاد جابر أُسطولاً كويتياً متوجهاً لغزو النصار، وهي قبيلة عربية تقطن في الجهة الشرقية من شط العرب، لأنهم قتلوا أحد الكويتين. فكان النصر حليفاً للكويت ورجع محاربوها محملين بالغنائم والأموال.وهذه بعض المعلومات عن العدو والحليف:
- عبدالله آل سعود: هو ابن الملك عبدالعزيز آل سعود، والذي كان يسعى لتوحيد شبه جزيرة عربية تحت سلطانه. فأرسل رسولاً إلى الكويت يطالب جابر بتسليم العجمان، وهي قبيلة عربية تقطن في منطقة ملح، التي كانت تابعة للكويت. فرفض جابر أن يسلم من لجأ إليه، وأعدّ جيشاً لمقاومة عبدالله.
- راشد السعدون: هو حاكم البصرة، والذي كان يخضع للدولة العثمانية. نشب خلاف بينه وبين الحكومة التركية في العراق ففرّ إلى الكويت طالباً حماية جابر. فقدّم له هذا الأخير العون وكرّمه تكريم الملوك حتى أنّه عرض عليه أن يسانده عسكريّاً إذا أراد أن يحارب العثمانيْن. حفظ له راشد إحسانه هذا وقدّم له بعد عودته إلى العراق ثلاثة أحواز من الفاو كمكافأة. وفي معركة البريم، أرسل راشد قافلة من المؤن والذخيرة لإغاثة جابر.
المجريات والنتائج
- المجريات: في شهر رجب من عام ١٨٩٩، اجتمع جابر بأشقائه صباح وخالد في قصور بارزان، وقرروا مقاتلة عبدالله آل سعود. فخرج جابر بجيش من ١٥٠٠ رجل مسلح بالخنادق والسلاح الأبيض، واتجه نحو منطقة البريم، التي تقع على حدود الكويت مع نجد. وفي طريقه، التقى بقافلة راشد السعدون التي حملت له المؤن والذخيرة. وفي اليوم التالي، وصل عبدالله آل سعود بجيش من ٣٠٠٠ رجل مسلح بالبنادق والمدافع، ونصب خيمته في مكان يسمى الرقعي. فأرسل جابر رسولاً إلى عبدالله يطلب منه الانسحاب، وإلا فإنه سيقاتله. فرفض عبدالله الاستجابة، وأمر بالهجوم على الكويتيين.
- النتائج: اشتبك الجيشان في معركة عنيفة استمرت ثلاثة أيام، وانتهت بانتصار الكويتيين على آل سعود. فقُتل من جانب السعوديين ١٢٠٠ رجل، بينما قُتل من جانب الكويتيين ١٥٠ رجلاً فقط. وأصيب عبدالله آل سعود بجرح في رأسه، وفرّ هارباً إلى نجد. وأسر جابر ١٥٠ سعودياً، وصادر خمسة مدافع وثلاثة أحصنة. وأعاد جابر المساجد التي هدمها آل سعود في ملح، وأطلق سراح الأسرى دون فدية. واحتفل الكويتيون بنصرهم، وأطلقوا على جابر لقب (الشجاع).
معركة الصريف: هزيمة كويتية أمام آل رشيد
في صيف سنة ١٩٠٠ حشد مبارك الصباح جيشه وقرّر الإغارة على ابن الرشيد في الصريف. فدارت معركة طاحنة بين الجيشين أودت بحياة المئات من الضحايا. وانتهى الأمر بانتصار ابن الرشيد على مبارك. غير أنّ ابن الرشيد أساء معاملة الكويتيْين الذين نجوا من الحرب وذبح الكثيرين منهم، فلم يغفر له التاريخ ما أقدم عليه.وهذه بعض المعلومات عن العدو والحليف:
- ابن الرشيد: هو عبدالعزيز بن مطلق بن رشيد، والذي كان يحكم إمارة حائل، وهي منطقة تقع في شمال شبه جزيرة عربية. كان ابن الرشيد يخضع للدولة العثمانية، وكان يتصارع مع آل سعود على السيطرة على نجد.
- ابن سعود: هو عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والذي كان يحكم إمارة نجد، وهي منطقة تقع في وسط شبه جزيرة عربية. كان ابن سعود يسعى لتوحيد شبه جزيرة عربية تحت سلطانه، وكان يتصارع مع آل رشيد على السيطرة على حائل.
- الصلح بين مبارك وابن سعود: في أيلول (سبتمبر) ١٩٢٢، التقى مبارك بابن سعود في منطقة المجمع، واتفقا على الصلح بين البلدين. فأقام ابن سعود خطاً حدودياً بين نجد والكويت، وأقرّ بسلطان مبارك على أهله. كما تعهّد ابن سعود بألا يتجاوز هذا الخط، وألا يتدخّل في شؤون الكويت.
المجريات والنتائج
- المجريات: في صيف سنة ١٩٠٠، خرج مبارك بجيش من ٣٠٠٠ رجل مسلح بالخنادق والسلاح الأبيض، واتجه نحو منطقة الصريف، التي تقع على حدود الكويت مع حائل. وفي طريقه، التقى بابن سعود، الذي كان يخوض حروباً مع آل رشيد. فطلب منه مبارك المساعدة في معركته ضد ابن الرشيد، ولكن ابن سعود رفض، وقال له: “إنّ هذه الحرب ليست من شأنك، وإنّما هي بيني وبين ابن الرشيد، فارجع إلى بلادك ولا تتورّط فيما لا يعنيك”. فلم يسمع مبارك لنصيحة ابن سعود، وواصل طريقه نحو الصريف. وفي اليوم التالي، وصل ابن الرشيد بجيش من ٥٠٠٠ رجل مسلح بالبنادق والمدافع، ونصب خيمته في مكان يسمى الخزام. فأرسل مبارك رسولاً إلى ابن الرشيد يطلب منه الانسحاب، وإلا فإنه سيقاتله. فرفض ابن الرشيد الاستجابة، وأمر بالهجوم على الكويتيين.
- النتائج: اشتبك الجيشان في معركة عنيفة استمرت ثلاثة أيام، وانتهت بانتصار آل رشيد على آل صباح. فقُتل من جانب الكويتيين ١٥٠٠ رجل، بينما قُتل من جانب حائل ٥٠٠ رجلاً فقط. وأصيب مبارك بجرح في رأسه، وفرّ هارباً إلى الكويت. وأسر ابن الرشيد ١٥٠ كويتياً، وصادر خمسة مدافع وثلاثة أحصنة. وأهان ابن الرشيد المساجد التي كان يصلّي فيها مبارك، وذبح الأسرى دون رحمة. وحزن الكويتيون على هزيمتهم، وأطلقوا على مبارك لقب (الخاسر).
No Comment! Be the first one.