الماسات هي حجارة كريمة تتميز بجمالها وبريقها وقوتها. تستخدم في صناعة الحلي والمجوهرات، وتعتبر رمزا للثراء والفخامة والرومانسية. لكن خلف هذا الجمال يختبئ سر مظلم: الماسات مسؤولة عن إشعال العديد من الصراعات الدامية في أفريقيا، التي راح ضحيتها ملايين الأبرياء.
الماس والصراعات في أفريقيا
إذا سألنا عن السبب الحقيقي لهذه الصراعات، فإن الإجابة المؤلمة هي أن الماس هو القاسم المشترك في معظمها. فالحروب إما أن تقوم بسبب رغبة الأطراف المتصارعة في السيطرة على مناجم الماس وروافده، أو أن تمول من حصيلة بيع الماس في السوق السوداء بطريقة غير شرعية.
ولكن هذه الحروب لم تقتصر على أفارقة فحسب، بل امتدت لتطال تجار آخرين من دول عربية مثل لبنان وسورية، الذين اختاروا دول غرب أفريقيا مستقرًا ومقامًا دائمًا لهم ولأسرهم. فهؤلاء التجار كانوا يشترون الماس من بعض أفراد القبائل، الذين كانوا يحفرون في التراب بحثًا عن حجارة البركة (Placer Deposits)، وهي رواسب من الماس تتكوَّن في قاع الأودية والأنهار.ولكن هذه التجارة كانت خطيرة جدًا، فكثيرًا ما كان التجار يتعرضون للاغتيال أو السطو أو التعذيب من قِبَل عصابات مسلحة أو جهات مافية، تسعى إلى احتكار سوق الماس والهيمنة عليه. فكان سعر الماس يُدَفََّع بثمن دماء التجار وأسرهم.
الماس والظلم في أفريقيا
ولولا الحداثة، لظننا أن هذه القصص تعود إلى عصور الاستعمار والعبودية، حين كان الأوروبيون البيض يجتاحون أفريقيا بحثًا عن الماس والذهب وغيرها من الثروات، ويستعبدون الأفارقة ويستغلونهم في عمليات التنقيب والتعدين. فكان الأفارقة يعملون في ظروف قاسية ومهينة، ويتعرضون للضرب والتعذيب والقتل إذا ما حاولوا الاحتفاظ بقطعة صغيرة من الماس لأنفسهم.إن هذه الماسات التي تلمع على صدور المشاهير والأثرياء، لا تعكس سوى دماء الأبرياء المسكينة، التي سالت في أرض أفريقيا. إن هذه الماسات التي تزيِّن تيجان الملوك والسلاطين، لا تشهد سوى على ظلم الطغاة والجبابرة، الذين سلبوا حقوق الشعوب والأمم. إن هذه الماسات التي تُعَدُّ رمزًا للحب والجمال، لا تُظْهِرُ سوى قبح الحرب والكراهية.
صراع الماس في الكونغو
أحد أبرز هذه الصراعات هو ما حدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية (التي كانت تسمى زائير سابقا) في نهاية التسعينات من القرن الماضي. اندلع حرب أهلية بين نظام الجنرال موبوتو سيسي سيكو، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود بطريقة استبدادية وفاسدة، وبين قوات المعارضة بقيادة لوران كابيلا، الذي حظى بدعم من دول جوارية مثل أنغولا ورواندا وأوغندا.
بعد معارك ضارية استطاع كابيلا أن يحسم الصراع لصالحه، وذلك بعد أن نجحت قواته في دخول العاصمة كنشاسا في مايو عام 1997، وأجبرت موبوتو على مغادرة البلاد، ليموت في المغرب بعد أشهر قليلة.
ولكن هذه الانتصار لم يكن بلا ثمن. فقد شهدت الكونغو مجازر وانتهاكات حقوقية فظيعة على يد قوات كابيلا، التي قامت بحرق وهدم وسفك دماء المدنيين بلا رحمة. كان من أشدها رعبا مشهد إلقاء المئات من المواطنين من أعلى الجسور في المجاري المائية، ثم إطلاق النار عليهم بالأسلحة الآلية، فتختلط دماؤهم بالماء، وتغطى جثثهم سطح النهر، لتصبح فرائس للأسماك والطير.
إن هذه المشاهد المروعة لا تزول من ذاكرة من شاهدها، ولا تنسى من سمع بها. وقد تساءل الكثيرون عن الدافع الحقيقي وراء هذا الصراع الدموي. وقد كشف أحد المحللين السياسيين عبر إذاعة لندن أن السبب الرئيسي هو الماس، الذي يمثل مصدرا رئيسيا للدخل في هذه الدولة الأفريقية. فقد كان كل طرف يحاول فرض سيطرته على مناجم الماس، والاستفادة من ثروتها.
صراعات أخرى بسبب الماس
وللأسف، لم يكن صراع الكونغو حالة فريدة من نوعها. فقد شهدت أفريقيا العديد من الصراعات القبلية والإثنية التي تحولت إلى حروب أهلية بسبب الماس. مثال على ذلك هو ما حدث في رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، اللتين اندلع بينهما نزاع دام في أبريل عام 1994، بعد اغتيال رئيس رواندا جوفينال هابياريمانا وضيفه رئيس بوروندي، عندما تم إسقاط طائرتهما فوق العاصمة كيغالي.
أسفر هذا النزاع عن مقتل نحو مليون شخص في مجزرة إبادة جماعية، وفرار ملايين آخرين إلى دول مجاورة بحثا عن مأوى. كما شهد نهر كاغيرا وبحيرة فيكتوريا مشهدا مروعا لطفو أكثر من أربعين ألف جثة في وضح النهار.
وقد كان للماس دور كبير في تأجيج هذه الحرب، حيث كانت دول مثل أوغندا وزائير تستغل الماسات التي تمتلكها رواندا، وتساند قبيلة على حساب أخرى، لضمان استمرار تدفق هذه الثروة إلى جيوبهم.
No Comment! Be the first one.