في مطلع القرن العشرين، كانت الجزيرة العربية تشهد تغيرات سياسية واجتماعية كبيرة، وكانت عائلة آل سعود تسعى لاستعادة سلطتها في نجد بعد أن طردها آل الرشيد. في هذا البحث الشامل، سنتابع مسيرة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، المؤسس الحديث للمملكة العربية السعودية، وكيف استطاع أن يحقق انتصارات مذهلة ويبني إمارة قوية في وسط الصحراء.
دور الكويت في دعم آل سعود
في بداية القرن العشرين، كانت عائلة آل سعود تقيم في الكويت بعد أن هُجِّروا من نجد عام 1891. وكان حاكم الكويت مبارك الصباح يدعمهم مادياً وسياسياً، لأنه كان يرى فيهم حلفاء ضد التوسع العثماني والشمري. وفي خريف عام 1900، قاد عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، والد عبد العزيز، حملة على نجد ووصل إلى منطقة السدير، ولكنه اضطر للانسحاب بسبب قوة آل الرشيد. وفي أوائل عام 1901، شارك عبد الرحمن في حملة أخرى بقيادة مبارك الصباح على منطقة القصيم، والتحق به بعض أفراد عائلته وقبائل نجدية مختلفة. وتمكنوا من احتلال الرياض لفترة قصيرة، لكنهم تعرضوا لهجوم مضاد من قبل عبد العزيز بن متعب آل رشيد، حاكم حائل، وانهزموا في معركة الصريف.
اقتحام عبد العزيز للرياض
في هذه الأثناء، كان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ابن عبد الرحمن، يخطط لإحدى أشجع المغامرات في تاريخ نجد. فقد قرر أن يغزو المسمك، حصن حاكم آل رشيد في الرياض، بمجموعة صغيرة من المقاتلين. وفي نهاية عام 1901، توجه عبد العزيز مع أربعين رجلاً فقط من خالاته إلى نجد، متخذاً طريقاً صحراوياً شاقاً. وفي طريقه، انضم إليه بعض المحاربين من قبائل عجمان وآل مرة وسبيع والسهول، لكنهم تخلوا عنه عندما علموا بتدخل العثمانيين لصالح آل الرشيد. ورغم معارضة أبيه والسلطات التركية، أصر عبد العزيز على مواصلة مسعاه، وفي 12 يناير 1902، وصل إلى أطراف الرياض. وفي منتصف الليل، تسلل مع محاربيه إلى داخل المدينة من بوابة الشمسية، وتوجه إلى منزل الحاكم الشمري عجلان بن محمد. وباغته عندما خرج من الحصن مع حراسه، وأطلق عليه النار. وتمكن عبد العزيز ورجاله من قتل الشمري وحراسه، واستولوا على الحصن. وأقسم أهل الرياض بيعة لعبد العزيز، الذي أصبح حاكماً للمدينة.
بعد اقتحام عبد العزيز للرياض، بدأت إمارة الرياض تتشكل بقوة. فقد حصل عبد العزيز على دعم من أبيه وإخوته وابن عمه، الذين جاءوا من الكويت بإمدادات وقوات. وقاد عبد العزيز حملات ناجحة على المناطق المجاورة للرياض، مثل الخرج والإحساء والأحساء، وأخضع قبائل نجد تحت سلطته. وفي مايو 1902، انضم أبوه إلى ابنه في الرياض، وأقام بها حتى وفاته في 1928. وأصبح عبد العزيز حاكماً مطلقاً لإمارة الرياض، التي كانت نواة لإنشاء المملكة العربية السعودية في 1932. وكان دور الكويت في دعم آل سعود حاسماً في تحقيق هذه النهضة، التي غيرت مجرى التاريخ في شبه الجزيرة العربية.
الصراع على القصيم: آل سعود ضد آل رشيد والعثمانيين
في أوائل القرن العشرين، كانت منطقة القصيم في نجد مسرحاً للصراع بين ثلاثة أطراف: آل سعود، آل رشيد، والدولة العثمانية. وكان كل طرف يسعى لتوسيع نفوذه وحماية مصالحه في المنطقة، التي كانت تشكل مفتاحاً استراتيجياً في شبه الجزيرة العربية. وفي هذا النص، سنتتبع أهم المواجهات والأحداث التي شهدتها القصيم في هذه الفترة، وكيف أثرت على مصير آل سعود وآل رشيد والعثمانيين.
التحالف بين آل سعود والكويت والمنتفض
في عام 1904، كان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، حاكم الرياض، يخطط لغزو القصيم، التي كانت تحت سلطة عبد العزيز بن متعب آل رشيد، حاكم حائل. وكان عبد العزيز بن عبد الرحمن يحظى بدعم من حاكم الكويت مبارك الصباح، الذي كان يخشى من توسع النفوذ العثماني في المنطقة. وكان مبارك يرى في عبد العزيز حليفاً قوياً ضد آل رشيد والعثمانيين، وكان يزوده بالأسلحة والأموال والقوات. وفي مارس 1904، عقد اجتماع في الكويت بحضور عبد العزيز بن عبد الرحمن ومبارك الصباح وسعدون بن مطلاق، شيخ قبيلة المنتفض، التي كانت تثور ضد حكم آل رشيد في حائل. واتفق الثلاثة على تحالف مشترك لمواجهة آل رشيد والعثمانيين.
اقتحام عبد العزيز للقصيم
فور انتهاء اجتماعه في الكويت، توجه عبد العزيز بن عبد الرحمن بقواته نحو القصيم. وفي أبريل 1904، هاجم مدينة عنيزة، التي كانت تعتبر مركز المقاومة ضده. ودارت معركة شرسة بين قوات عبد العزيز وقوات عبد العزيز بن متعب، التي جاءت لإغاثة عنيزة. وانتهت المعركة بانهزام قوات آل رشيد، وسقوط عنيزة في يد آل سعود. وعين عبد العزيز أحد وجهاء المدينة أميراً عليها، وحظي بولاء أهلها. وبعد ذلك، انتقل عبد العزيز إلى مدينة بريدة، التي كانت تحت حكم آل رشيد أيضاً. ولم يواجه عبد العزيز مقاومة كبيرة في بريدة، لأن أهلها كانوا قد اقتنعوا بأن النصر لآل سعود. ودخل عبد العزيز بريدة دون قتال، وأقام فيها مقره.
تدخل العثمانيين وموقعة البكيرية
لم يكن تقدم عبد العزيز في القصيم يمر مرور الكرام على الدولة العثمانية، التي كانت تحاول فرض سلطتها على نجد. فقد أرسلت العثمانية قائداً عسكرياً اسمه حسن شكري إلى نجد، لإنهاء الفتنة والصراع بين آل سعود وآل رشيد. وكتب شكري رسالة إلى عبد العزيز، يحذره فيها من التحالف مع مبارك الصباح، الذي كان يتعاون مع بريطانيا، ويطالبه بالخضوع للخليفة العثماني. ولكن عبد العزيز لم يستجب لرسالة شكري، وأجابه بأنه لا يثق به، وأنه سيدافع عن حقوقه ضد المعتدين. وأشار إلى أن السلطات العثمانية في الحجاز كانت تستغل وتنهب الحجاج المسلمين.
وفي يوليو 1904، اندلعت موقعة كبرى بين قوات عبد العزيز وقوات آل رشيد المسنودة بالقوات العثمانية في منطقة البكيرية. وكانت الموقعة شديدة العنف والضراوة، وأصابت عبد العزيز جروح خطيرة كادت تودي بحياته. ولكن رغم ذلك، استطاع عبد العزيز أن يحقق انتصاراً مذهلاً على خصومه. فقتل في الموقعة قائد عسكري تركي، والكثير من جنود آل رشيد والعثمانية. واستولى عبد العزيز على المدافع التركية وأسر بعض جنودهم. أما عبد العزيز بن متعب، فقد هرب من الموقعة، مخلفاً مؤنه ومعداته في يد آل سعود.
الهزيمة في البكيرية والانسحاب إلى الشنانة
في عام 1904، تلقى ابن متعب آل رشيد هزيمة قاسية على يد عبد العزيز آل سعود في معركة البكيرية، ففقد حائل ومعظم أراضيه في شمال نجد. فاضطر إلى الانسحاب إلى منطقة الرس والشنانة في القسم الغربي من القصيم، حيث كان يأمل في أن يحصل على دعم من القوات التركية التي كانت تحتل الحجاز. ولكن سكان الرس لم يستقبلوه بحفاوة، بل اختاروا الانضمام إلى عبد العزيز، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة بين أهل نجد. فأقام ابن متعب معسكره في قرية الشنانة، وتبعه عبد العزيز مع جيشه المؤلف من أبناء المدن المخلصين له. وتوقفت المواجهات بينهما لفترة بسبب شدة حرارة الصيف، ولكن سرعان ما انتشر وباء الكوليرا في معسكر ابن متعب، فهجره كثير من أتباعه من البدو، وبقي معه فقط بعض الوحدات التركية التي جاءت من العراق وأفراد من جبل شمر. وفي نهاية شهر سبتمبر، اندلعت مواجهة حاسمة بين عبد العزيز وابن متعب قرب الشنانة، انتهت بفوز عظيم للأول، حيث طرد الأخير والأتراك من المنطقة، وغنم منهم أسلحة وذخائر وأموال.
التحالف مع الأتراك والصدام مع عبد العزيز
في ذلك الوقت، كانت الإمبراطورية العثمانية تحاول تثبيت سلطانها على جزيرة العرب، فأرسلت قوات بقيادة فيضي باشا إلى نجد لمحاربة عبد العزيز، والذي كان يسعى إلى تحرير بلاده من هيمنة الأجانب. فانضم إلى فيضي باشا أمير بريدة صالح آل مهنا، الذي كان يخشى من آل رشيد وآل سعود على حد سواء، وأقام لهم حصارًا على عنيزة، التي كانت تابعة لآل سعود. وفي أبريل 1905، دخلت قوات فيضي باشا بريدة دون مقاومة، واستولت على عنيزة بعد حصار طويل، وأعلنت القصيم إمارة تركية، وقسمتها إلى أقاليم إدارية. ولكن الأتراك واجهوا صعوبات كبيرة في الحكم، بسبب نقص الموارد والأمطار الغزيرة والتمردات الشعبية، وكذلك بسبب انشغالهم بالأزمات الأخرى في اليمن والبلقان. وفي أبريل 1906، حدثت معركة أخرى بين عبد العزيز وابن متعب في القصيم، أسفرت عن مقتل الأخير، وانهيار سلطة آل رشيد في نجد. واستطاع عبد العزيز أن يستعيد القصيم والأراضي الجنوبية منها، بينما تولى ابن عم ابن متعب محمد آل عبد الله حكم حائل والأراضي الشمالية.
الجلاء التركي من نجد
في صيف 1905، تم تعيين سامي باشا الفاروقي قائدًا جديدًا للقوات التركية في نجد، خلفًا لصدقي باشا. وكان الأتراك قد بقوا في نجد لأكثر من عامين ونصف، يعانون من المجاعة والوباء والفقر، فأدرك سامي باشا أنه لا مستقبل لهم في هذه الأرض، فقرر الانسحاب منها في أكتوبر 1906، وتركها لعبد العزيز، الذي كان قد أثبت قوته وشجاعته في مواجهة الغزاة. وفي السنوات التالية، استمر عبد العزيز في توسيع نفوذه في جزيرة العرب، حتى استطاع أن يحرر الإحساء من الحكم التركي في عام 1913، بعد أن انشغلت الإمبراطورية العثمانية بالحرب العالمية الأولى. وبذلك، أصبح عبد العزيز حاكمًا مستقلاً لأغلب أراضي نجد والحجاز.
الحملة على الإحساء والتحرير من الحكم التركي
في عام 1913، تكبدت الإمبراطورية العثمانية خسائر فادحة في حروب البلقان، فاستغل عبد العزيز ضعفها وأعلن نيته لضم منطقة الإحساء، التي كانت تابعة للأتراك. فجمع جيشًا قويًا من أهل نجد والإخوان المسلمون، الذين كانوا يرون في ذلك جهادًا في سبيل الله. وقبل أن يشن هجومه، استشار عبد العزيز ضابطًا إنكليزيًا اسمه ليشمان، الذي كان يدعمه سرًا، وأخبره بخطته. وفي مايو 1913، اقتحم عبد العزيز الإحساء بثمانية آلاف مقاتل مسلح بالبنادق والمدافع، ولم يجد مقاومة شديدة من الأتراك، فسيطر على المدينة وأعلنها جزءًا من مملكته.
تأسيس وزارة الخارجية وإقامة علاقات دبلوماسية
في عام 1926، أصدر عبد العزيز مرسومًا بتأسيس وزارة الخارجية، وأسند إلى ابنه فيصل، الذي كان نائبًا له في الحجاز، مهامها. وبدأ عبد العزيز في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول عديدة، منها الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا وتركيا وألمانيا وإيران وبولندا والولايات المتحدة وإيطاليا ومصر. وفي عام 1950، كانت هناك سفارتان في المملكة: أميركية وبريطانية، أما باقي الدول فكان لها بعثات دبلوماسية. وفي عام 1937-1938، غادرت البعثة السوفياتية المملكة، لكن لم تنقطع العلاقات بشكل رسمي بين البلدين، بل بقيت مجمدة لفترات طويلة.
تشكيل مجالس إدارية في نجد والحجاز
في عام 1932، أصدر عبد العزيز مرسومًا بتوحيد أجزاء المملكة تحت اسم المملكة العربية السعودية، وأصبح هو الملك المطلق لهذه المملكة. ولكن هذا لم يعن توحيد التركيب الإداري للمملكة، فظلت هناك فروق بين نجد والحجاز في هذا الصدد. وفي عام 1931، تشكل مجلس الوزراء في الحجاز برئاسة فيصل، وتشكل مجلس الوكلاء في نجد بصلاحيات مشابهة. وضم كل مجلس وكلاء الخارجية والمالية والداخلية وأعضاء مجلس الشورى. وتضمنت وزارة الداخلية إدارات للصحة والمعارف والاتصالات والقضاء والحربية والأوقاف والبلديات والثروة المائية والمحاجر الصحية وخفر السواحل والشرطة العامة. وفي عام 1934، قسم الحجاز إلى 14 محافظة، يخضع أمراؤها لنائب الملك فيصل. وأنشئت في مكة إدارة للأمن العام، التي تولت شؤون الشرطة والأخلاق والتفتيش والمحاسبة ومراقبة الأجانب. كما أنشئت مصلحة للصحة العامة، التي امتد نشاطها إلى كل أنحاء المملكة. وفي عام 1931، أنشئت مديرية لخفر السواحل في جدة، التي تولت شؤون الموانئ والملاحة ومكافحة التهريب.
الإسلام الوهابي والتحديات الاجتماعية
في السعودية، اتخذ عبد العزيز آل سعود الإسلام بتفسيره الوهابي كإيديولوجية للدولة. وهذا يعني أنه أقر بأن الله هو المولى الوحيد، وأن المذهب الحنبلي هو المذهب الديني الصحيح. وهذا يستلزم أيضًا أن يكون هناك نظام قانوني وقضائي موحد، يقوم على أحكام الشرع. وكان هذا أمرًا صعبًا في مجتمع متنوع، يضم فئات وشرائح اجتماعية مختلفة، مثل البدو والحضر وغيرهم. فكان عبد العزيز يواجه صراعًا لإلغاء العرف العشائري، وإقامة سلطة الشرع بصورتها الحنبلية.
ضم الإحساء والتعامل مع الأقلية الشيعية
في عام 1913، ضم عبد العزيز منطقة الإحساء إلى مملكته، بعد أن ضعفت سلطة الأتراك فيها. وكان في هذه المنطقة أغلبية شيعية، تختلف عن السنة (الوهابيين) في المذهب والممارسات. فكان عبد العزيز يحاول التسامح معهم، ولكن كثيرًا من علماء الدين الوهابيين كانوا يطالبون بمحاربتهم وملاحقتهم. ففي عام 1927، أصدروا فتوى تحرم على الشيعة أداء صلاة جماعة في المساجد، والإحتفال بذكرى مولد أو استشهاد أئمتهم، والزيارة إلى قبور أوليائهم في كربلاء والنجف. كما طالبوا بإجبارهم على تعلم كتاب (الأصول الثلاثة) لمحمد بن عبد الوهاب، وهدم كل مقاماتهم وأضرحتهم.
تشكيل نظام قضائي موحد
في عام 1927، أصدر عبد العزيز أولى التشريعات التي تؤسس لنظام قضائي موحد في المملكة، يستند إلى المذهب الحنبلي. وفي نجد، لم تكن هناك تغيرات كبيرة في هذا المجال، فظلت المحاكم تخضع لسلطة الملك والقضاة. أما في الحجاز، فأُنشئت ثلاث فئات من المحاكم: المستعجلة، التي تقضي في القضايا البسيطة والجنح، والكبرى، التي تقضي في القضايا المعقدة والجنايات، والعراقبة القضائية، التي تعمل كمحكمة استئناف وتراقب سير العمل القضائي. وفي عام 1932، أُنشئت دوائر كتاب العدل، التي تتولى تسجيل الوثائق الرسمية، ما عدا الأوقاف. وكانت رواتب القضاة تأتي من أموال الزكاة. وفي عام 1932، أصدر عبد العزيز مرسومًا بتوحيد المملكة تحت اسم المملكة العربية السعودية، لكن هذا لم يلغي الفروق الإدارية بين نجد والحجاز. وظلت كل المقررات الهامة تصدر من قبل الملك وأقاربه.
الزكاة وجبايتها في نجد والحجاز
في سبتمبر 1925، أصدر عبد العزيز مرسومًا ينظم شؤون الزكاة في المملكة، ويحدد نسبتها وطرق تحصيلها. وأمر أمراء المناطق بالإشراف على جباة الزكاة، الذين كانوا يقسمون إلى فئتين: فئة تجبي الزكاة من سكان المدن والواحات، وفئة تجبيها من البدو. وكان جباة الزكاة هم عيون السلطة المركزية بين القبائل، ولكنهم كثيرًا ما كانوا يتجاوزون حدودهم، ويأخذون ثلث ما يجبونه لأنفسهم. ولم يحصل عبد العزيز إلا على ثلثي الزكاة فقط. كما ألغى عبد العزيز ما كان يسمى بالخوة، وهي مبالغ تدفعها القبائل الضعيفة للقبائل القوية لحمايتها.
ضرائب جديدة في الإحساء والحج
بعد ضم عبد العزيز للإحساء في عام 1913، وجد نفسه أمام مشكلة جديدة، وهي كيفية التعامل مع الأقلية الشيعية في هذه المنطقة. فكانت هذه الأقلية تختلف عن باقي سكان المملكة في المذهب والعادات. ففرض عبد العزيز عليهم ضرائب خاصة، تسمى بالجزية، كما فرضها على المسيحيين واليهود. كما فرض رسوم جمركية على السلع التي تدخل المنطقة، بنسبة 8%، ما عدا التبغ، فكانت نسبته 20%. أما في الحجاز، فظهر مصدر دخل جديد لخزانة المملكة، وهو ضرائب الحج، التي كان يدفعها الحجاج من مختلف الدول.
تشكيل نظام مالي وإداري
في عام 1927، أُنشئت دوائر رسمية في المملكة، تقوم بإعداد مشاريع للنفقات، وتقديمها إلى وزارة المالية. ثم تُحال هذه المشاريع إلى مجلس شورى الدولة، ثم إلى مجلس الوزراء. وكانت هذه المشاريع ضئيلة جدًا؛ ففي عام 1932، كان إجمالي الواردات والنفقات للدولة 14 مليون ريال (وكان الريال يساوي ثمانية جنيهات إسترلينية تقريبًا). وكانت معظم الواردات تأتي من الزكاة والضرائب، وتذهب إلى بيت المال. وكانت معظم النفقات تخصص للجيش والدفاع، كما كانت هناك مخصصات للأرامل والأيتام والجرحى والمرضى والعلماء والمدارس والموظفين. وكان عبد العزيز يعيل أيضًا جيشًا من الفقراء، يأكلون في قصره مرتين في اليوم. وكان عددهم يتراوح بين ألف وألفين، وأحيانًا يصل إلى عشرة آلاف.
أنواع القوات المسلحة في نجد والحجاز
في كتاب (الجزيرة العربية في عهد ابن سعود)، يذكر المؤلفون أن عبد العزيز آل سعود كان يعتمد على أربعة أنواع من القوات المسلحة في حروبه ومشاريعه. هذه الأنواع هي: أهل العارض، وهم سكان نجد الأصليين، ومن بينهم الحرس الملكي وجيش الجهاد الملكي، وهم يقاتلون في وسط الجبهة. والحضر، وهم سكان المدن والحواضر في نجد، وهم يقاتلون في جانبي الجبهة. والإخوان، وهم القبائل البدوية التي انضمت إلى عبد العزيز بعد تأسيس نظام (الهجر)، وهم يشكلون جزءًا كبيرًا من جيشه. والبدو، وهم القبائل التي لم تستقر في مدن أو هجر، وكانت تساعد عبد العزيز بالمخابرات أو التزود.
تأسيس الجيش النظامي
في عام 1930، قرر عبد العزيز تطوير قواته المسلحة، لتتماشى مع التقدم التكنولوجي في مجال التسلح. فأنشأ إدارة للأمور العسكرية، وبدأ بتشكيل جيش نظامي، يتكون من فئات مختلفة من المدفعية والرشاشات والمشاة. كما استقطب ضباطًا من جيش الهاشميين في الحجاز، أو من سوريا والعراق، لتدريب جنوده. كما شارك جيش عبد العزيز في أول استعراض عسكري في جدة في عام 1930. وفي عام 1932، أُطلق اسم المملكة العربية السعودية على دولة عبد العزيز، لكن هذا لم يؤثر على تنظيم قواته المسلحة. فظلت تخضع لإدارة مستقلة عن باقي الإدارات. وفي عام 1935، أُسست وكالة (وزارة) الدفاع في الطائف، ثم أُلغيت إدارة الأمور العسكرية في عام 1938. وفي عام 1939، شُكِّلَت رئاسة الأركان الحربية، لتخطط للحروب وتدير المعارك. وفي عام 1946، أُنشئت وزارة الدفاع.
تطور الطيران والاتصالات
كان عبد العزيز يولي اهتمامًا كبيرًا للطيران والاتصالات، لأنها تسهل التنقل والتواصل في بلاده الشاسعة والنائية. ففي عام 1931، أرسل عشرة شبان سعوديين إلى إيطاليا لتعلم الطيران. وبعد عودتهم، اشترى عددًا من الطائرات، وأنشأ مدرسة للطيران في الطائف. وفي عام 1945، ركب عبد العزيز طائرة لأول مرة في حياته، بالقرب من الطائف. كما بدأت رحلات جوية داخلية وخارجية، تربط بين المملكة وبعض الدول العربية. وفي عام 1930، أنشئت مدارس لتعليم الهاتف اللاسلكي في مكة وجدة والمدينة والرياض. وأُرسِلَ بعض خريجيها إلى بريطانيا وغيرها من الدول لمواصلة دراستهم. وفي عهد عبد العزيز، أُنشئت ستون مركزًا لاسلكيًا ثابتًا في المملكة، منها ثلاثة مراكز رئيسية في جدة والرياض والظهران.
التوازن بين الجيش النظامي والجيش التقليدي
يرى بعض الباحثين أن عبد العزيز كان حذرًا من خطر الانقلاب العسكري، فلم يعتمد فقط على الجيش النظامي، بل حافظ على جيشه التقليدي، المكون من جيش الجهاد وجيش الهجانة والأقحاح. هؤلاء كانوا أكثر ولاءً لعبد العزيز شخصيًا، وأكثر تمسكًا بالإسلام الوهابي. كما كانوا يمثلون قوة رادعة لأي محاولة للاستيلاء على السلطة من قبل ضباط أو جنود من خارج نجد.
التعليم الديني واللغوي في الحجاز
كان عبد العزيز يحترم نظام التعليم في الحجاز، الذي كان أكثر تقدمًا من نظام التعليم في نجد، حيث كان الأمية منتشرة. ففي الحجاز، كانت تصدر صحيفة (الحجاز) باللغتين العربية والتركية، وكانت هناك مطبعة أهلية ومدرسة حكومية تدرس باللغة التركية ومدرستان دينيتان أهليتان. وفي عام 1908، افتتحت مدرستان أهليتان في جدة ومكة. وفي عام 1924، أُنشئت (إدارة المعارف العامة)، التي استقدمت مدرسين من خارج البلاد، وأسست مدارس حكومية وأهلية في الرياض والمناطق المجاورة.
التعليم المختلط والصحافة في نجد
في الثلاثينات، أنشئت مدارس جديدة في كبرى مدن الحجاز والرياض، ثم في حائل وبريدة وعنيزة والقطيف والجبيل. وفي هذه المدارس، أضاف عبد العزيز مواد علمية وثقافية إلى المواد الدينية، مثل الرسم الهندسي واللغة الأجنبية والجغرافيا. وهذا أثار مقاومة من رجال الدين، الذين كانوا يرون أن هذه المواد تخالف الإسلام. كما أُنشئت في المنطقة الشرقية مدارس شبه سرية للشيعة، يمولها أهلهم. وفي نجد، بدأت تصدر صحف ومجلات بشكل غير منتظم. ففي عام 1953، صدرت مجلة (اليمامة) في الرياض، كأول مجلة أسبوعية في نجد. وكان للصحافة السعودية دور ضئيل في تشكيل الرأي العام أو التأثير على الأحداث.
في عام 1950، كان هناك حوالي 50 مدرسة قروية (ألف طالب) في المملكة، و90 مدرسة ابتدائية (13 ألف طالب)، و10 مدارس ثانوية (600 طالب). وكان إجمالي عدد الطلاب حوالي 16 ألف طالب. وكانت معظم ساعات التعليم تخصص للمواد الدينية، بنسبة 22 ساعة من أصل 28 ساعة دراسية في المدارس الابتدائية. وكانت هناك فروق بين التعليم في الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية، من حيث اللغة والمذهب والمنهج.
No Comment! Be the first one.