من هم ملوك الهكسوس؟
قسم عالم الآثار الكاهن المصري مانيتون ملوك مصر في عهد الهكسوس إلى ثلاث أسرات. الأسرة الخامسة عشرة تليها ملوك الأسرة السادسة عشرة وتتألف من ستة ملوك، حيث يبدأ الملك سأليتين عشرة وعدد ملوكها هو اثنان وثلاثون. ثم يأتي ملوك الأسرة السابعة عشرة الذين كانوا معاصرين لملوك طيبة، وعددهم ثلاثة وأربعون ملكًا.
من بين ملوك الهكسوس الأكثر أهمية هو الملك المعروف بـ “خيان”، وقد تم ذكره في قائمة مانيتون تحت اسم “جناس”. ويعرف من آثاره العديدة أنه كان يحمل لقب “حقا خاسوت”. كان أيضًا رئيس الجيش وابن الشمس. وكان يُعبد كإله في طيبة مثل ملوك مصر السابقين. تم العثور على آثار هذا الملك في أماكن مختلفة في مصر وسوريا وفلسطين، بما في ذلك تمثال أسد يحمل اسمه ورؤيته في بغداد لدى أحد تجار الآثار. ومع ذلك، تعرضت هذه الآثار للسرقة والنهب بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2002.
يجب أن نلاحظ أن وجود بعض الأشياء مثل الجعارين باسم خيان في سوريا وفلسطين أو تمثال صغير لأسد لا يمكن أن يكون أساسًا لنظرية وجود إمبراطورية واسعة للهكسوس تشمل مصر وسوريا وفلسطين والعراق وجزر البحر المتوسط. فهذه الآثار تعتبر سلعًا تجارية يمكن نقلها بسهولة من مكان إلى آخر. وبناءً على ذلك، فإن الاتجاه الحديث يخالف المؤرخ الكبير إدوارد في وجهة نظره.
يذكر أيضًا أن الترتيب الزمني للملوك الأخيرين من الهكسوس يشوبه بعض الاضطرابات، وتتفق التسلسل الزمني لهما في الفترة من العام العاشر إلى العام الخامس عشر من حكم “أحمس”. واحد منهم هو “عازح رع”، الذي كان آخر ملوك الأسرة الخامسة عشرة، وقد وجد اسمه مسجلاً على مسلة في تانيس. والآخر هو “أبيبي” الثالث، وهو آخر ملوك الفرع التابع للأسرة السادسة عسر.
حياة الهكسوس الطبيعية
تم استيلاء الهكسوس على الحكم في شمال البلاد تدريجيًا عبر مراحل مختلفة. قاموا بتعزيز سيطرتهم في فرعشة وتل الصحابة عند مخرج وادي الطميلات وفي بوباستس وإنشاص وتل اليهودية على بُعد 20 كيلومترًا شمال هليوبوليس. استغرق هذا التقدم البطيء حوالي 50 عامًا حتى انتهى في عام 1675 قبل الميلاد في عهد الملك رقم 33 في قائمة ملوك الأسرة الثالثة عشرة، وهو الملك “ديدو مسيو” الأول.
وفقًا للكاهن المصري مانيتون، الذي يعتبر مؤسس أسرة الهكسوس، كان ملكًا يُدعى “سالتين” هو من أسس الأسرة الخامسة عشرة. وتم اكتشاف اسمه على أختام تحت اسم “شيشي” في كرما. قام الهكسوس بتبني أسلوب حكم جديد يختلف عن الأساليب الحكومية السابقة، حيث اندمجوا في النظام السياسي المصري بدلاً من فرض هياكل تنظيمية خاصة بهم. على الرغم من ذلك، استطاعوا الاحتفاظ بثقافتهم الخاصة، والتي تتجلى بوضوح في العمارة وقلاع الهكسوس وفخاريات تل اليهود، على الرغم من التحفظات التي يمكن أن تكون موجودة.
اعتمد الهكسوس الخط الهيروغليفي لتدوين أسمائهم واستخدموا الألقاب المصرية ونقلوا النماذج الفنية التي كانت شائعة في الدولة الوسطى. من الناحية الدينية، تبعوا طريقة الملك الذي اتبعوه في الشؤون السياسية، وأنشأوا ديانة رسمية مصرية حول إله “ست” في “أوارتيس”، وهو منافس لإله “أوزيريس”. واحتفظوا أيضًا بعبادة “عنات عشتارت”، ولكنهم لم يستبعدوا الآلهة المصرية، واستمروا في حمل ملوكهم اسم “رع”. على الرغم من الأضرار التي لحقت بالبلاد، فإن الهكسوس ظلوا في قائمة ألقابهم الملكية.
ترك الهكسوس بصمات عميقة في الحضارة المصرية بعد أن كسروا عزلتها المشابهة لعزلة الجزر. في الجوانب الدينية والحضارية والفلسفية، كان وجودهم النابعة التي استوحى منها ملوك الدولة الحديثة. في المجال التقني، قد لا يمكن حصر مساهماتهم، خاصة في المجال العسكري، حيث استخدموا الفرس لجر العربات وظهر ذلك لأول مرة في عهد “كامس”. وعلى الرغم من وجود الفرس في وادي النيل منذ زمن سابق واهتمام القوم بتربيته، إلا أن الهكسوس فتحوا الباب أمام المصريين للاستفادة من تكنولوجيا التسلح الحديثة التي تعتمد على صناعة البرونز، مما أتاح لفراعنة الدولة الحديثة تفوقًا على منافسيهم من زعماء شرق البلاد.
يجدر الإشارة إلى أن “ساليتس” المعروف أيضًا باسم “شيشي” أو “شارك” حكم البلاد لمدة تقارب 21 عامًا، وامتدت سلطته لتشمل دلنا والوادي وصولًا إلى الجبلين. ظهر أيضًا على طرق القوافل لضمان وسائل الاتصال مع حلفائه في النواة. استمرت هذه الأوضاع حتى عهد “أبيجا الأول” الذي تنازل عن جزء من سلطته لإحدى عائلات الهكسوس التابعة له.
ملوك طيبة والهكسوس
ظهرت أسرة جديدة في وجه “أبيبي الأول”، وهي فرع محلي للأسرة الثالثة عشرة، وقد أسسها “رع حوتب” واختار لنفسه اللقب الحوري “وعح عنخ”. حكمت هذه الأسرة خمسة عشر ملكًا. تم اكتشاف سبع مقابر لهؤلاء الملوك في طيبة، حكموا مناطق الصعيد الثمانية الأولى من إلفنتين إلى أبيدوس لمدة تزيد عن خمسة وسبعين عامًا، وهذا يشمل الأقاليم التي سيطروا عليها خلال عصر الانتقال الأول بشكل تقريبي.
كانت مواردهم الاقتصادية ضئيلة ولم يكن لديهم سيطرة على الطرق التي تؤدي إلى المناجم والمحاجر بشكل خاص. ومع ذلك، تمكنوا من الحفاظ على حضارة الدولة الوسطى من خلال وسائلهم الخاصة. كان “يعقوب حار”، المعروف أيضًا باسم “يعقوب بعل”، خليفة لـ “سالتيس” ومعاصرًا لـ “ع حوتب”. يُعتقد أن حكمه استمر لمدة ثمانية عشر عامًا. تشير الأختام إلى وجوده من غزة إلى كرما، وقام بتطوير علاقات جيدة مع الملوك الثلاثة الذين خلفوا “رع حوتب”.
تأسست إمبراطورية حقيقية على يد الملك “خيان”، الذي خلف “يعقوب حار” من الهكسوس. وجد اسمه مسجلًا داخل مصر وخارجها، وتم العثور على اسمه على سطح عنصر معماري في جبل “بوباستس” في مصر وعلى جرة في قصر “كنوسس”، بالإضافة إلى بعض الأختام في فلسطين وتمثال أسد من الجرانيت في بغداد. أقام علاقات تجارية مزدهرة مماثلة لتلك التي كانت موجودة في الدولة الوسطى. وعلى الجانب الآخر، لا يوجد أي دليل على وجود علاقات تبعية بين النوبة ومصر. عندما تولى الملك “نج” الحكم في “كوش”، بمساعدة ضباط مصريين، استخدم بوهن كعاصمة وامتدت حكمه من إلفنتين إلى الجندل الثاني وربما حتى كرما.
الصدام بين طيبة والهكسوس
تم سرد العديد من النصوص التي تتحدث عن الصدام الختامي بين مملكة طيبة والهكسوس. وتشير هذه النصوص إلى التحالف بين مملكة كوش والهكسوس، وبقاء حكم كوش حتى استيلاء كامس على بوهن. ظهرت شخصيتان مهمتان في هذا السياق، وهما إنتف السابع في طيبة وأبيبي الأول في جانب الهكسوس.
إنتف السابع كان واحدًا من أوائل القادة الذين أثبتوا كفاءتهم العسكرية والإدارية، وقام ببناء المباني في مناطق مثل “كويتوس” و”أبيدوس” و”الكاب” و”الكرنك”. وصدر مرسوم منه حول معبد إله “مين” في “كوبتوس” يعكس الطابع الأوتوقراطي لسلطة طيبة.
يظهر الآسيويون والنوبيون في شكل الأعداء المهزومين فوق سطح المباني التي شيدتها في معبد إله “مين” وأيضًا فوق قاعدة تمثال يحمل اسمه في الكرنك.
وفي فترة حكم إنتف، عاشت طيبة في سلام مع الهكسوس الذي كان يحكمه أبيبي الأول، الذي استمر حكمه لمدة 40 عامًا وفقًا لجدول تورين. وبالقرب من نهاية حكم أبيبي الأول، بدأت الصراعات المكشوفة مع طيبة، حيث تولى الحكم تاعا الأول الملقب بـ”الكير”، وعاش حياة طويلة مع زوجته أتنى شيرى ورثت منه الأسرة الشاعة العاشرة. تم تكريمها بعد وفاتها كونها جدة أحمس، محرر مصر العظيم.
مواجهة الملك كامس مع الهكسوس
كان على سقنن رع أن يواجه الهكسوس في معارك شرسة حتى وصل إلى القوصية. وبعد وفاته، تولى ابنه كامس العرش وأظهر نواياه الحربية بألقابه التي تعبر عن سيادته وقوته. فأول ألقابه هو ضعى حرنسيت إف أي المتوج على عرشه. وثاني ألقابه هو حور نفر خاب تاوى أي حورس الكامل الذي خضعت له مصر. وثالث ألقابه هو سجفا تاوى أي المغذي لمصر.
في لوح كارنارفون الصغير، نجد استئناف لقصة مواجهة كامس مع الهكسوس. ففي اللوح يقول الملك لمستشاريه: كيف أثبت سلطاني وأنا محاصر بملك في أواريس وآخر في كوش؟ كيف أحكم مصر وأنا مشارك بآسيوي وزنجي؟ ثم يروي اللوح كيف قام كامس بشن هجمات بحرية على ممتلكات الهكسوس في مصر الوسطى، وكيف سيطر على طرق التجارة على النيل، وكيف اقترب من أواريس، عاصمة الهكسوس. وفي ذلك الحين، اعترضته رسالة من الملك أبيبي إلى ملك كوش.
ففي الرسالة يقول أبيبي: يا ابن رع يحى، يا ملك كوش. لم تصبح ملكا دون إخباري؟ ألا تعلم ما فعلته مصر بي؟ فالملك كامس، ليرزق بالخير، يهاجم ممتلكاتي دون سبب. فقد تعامل معي كما تعامل معك. فقد اختار بلدين لإفسادهما… بلدي وبلدك. فاسرع إلى هنا! لا تخاف! فإنه هنا يلاحقني. فلا أحد ينتظرك في مصر. ولا أدعه يغادر قبل قدومك.
ثم توقفت الحروب لفترة، وعاد كامس إلى طيبة ليخط قصة انتصاراته. وذلك بعد أن ضمن لنفسه سلامة طرق التجارة بين الشمال وبلاد كوش. وبعد ذلك بقليل، مات الملك كامس وخلفه أحمس، الذي بدأ حكمه عام 1570 قبل الميلاد.
احمس وقتاله مع الهكسوس
استأنف أحمس الحرب ضد الهكسوس في العام الحادي عشر من حكمه. واستمر القتال في الدلتا لسنوات عديدة حتى استولى على منف وأواريس. ولم ينتهي القضاء على الهكسوس إلا في وقت لاحق عندما احتلت مصر مدينة شارو حين، التي كانت قاعدة للآسيويين في فلسطين. وكانت هذه آخر مراحل تحرير مصر قبل العام السادس عشر من حكم أحمس.
في مقبرته، يروي أحمس بعض مغامراته في الحروب ضد الهكسوس. فيقول: بعد أن أنشأت بيتي، تم تجنيدي على سفينة الشمال تقديرا لشجاعتي وإقدامي. ورافقت الملك، له الحياة والصحة والقوة، في جميع معاركه. وشاركت في حصار أواريس وأظهرت بطولة كجندي مشاة أمام الملك. ثم انضممت إلى سفينة الأمجاف في منف وخاضت معركة بحرية عند بجكو قرب أواريس واستوليت على المدينة وأحضرت يد أحد الأعداء. وأبلغ حاجب الملك بذلك ونالت ذهب الشجاعة. ثم تابعت المعارك في هذه المنطقة وغزوت مدينة أخرى وأحضرت يد أخرى. ونالت ذهب الشجاعة مرة أخرى. ثم اشتعلت المعارك في مصر نفسها جنوب هذه المدينة. وعدت بأسير في يدي. واضطررت إلى الغوص في الماء لإخراجه من المدينة. وعبرت النهر سباحة وأنا أحمله. وأخبرت حاجب الملك بذلك. ثم منحني الملك ذهبا مرة أخرى. وتركت أواريس لأغار عليها وأنهبها. وغزوت منها رجلا وثلاث نساء، أي أربعة أشخاص. وأعطاني الملك إياهم كغنائم. وغزوت منها إمرأتين ويد أخرى. ونالت ذهب الشجاعة مرة أخيرة. وصار الأسرى عبيدي. هذا ما قاله أحمس في اللوحة التي على مقبرته.
بعد طرد الهكسوس من مصر
بعد أن طرد الهكسوس من مصر، سعى الملك العظيم أحمس إلى استعادة النوبة التي كانت تحت سيطرة الهكسوس. وفي مآثره يقول أحمس: بعد أن هزم جلالته الهكسوس في آسيا، توجه جنوبا إلى خنت نفر في النوبة لقتل النوبيين الذين كانوا يستخدمون السهام. وقتل كثيرا منهم وأسر اثنين وقطع ثلاث أيدي. وأعطاني الملك ذهبا وامرأتين كخادمات. ثم عاد جلالته شمالا مرضيا بانتصاراته. فقد أخضع شعوب الجنوب والشمال.
ويذكر أن هذه الحملة لم تكن الأخيرة، فقد نشب تمرد بقيادة عاتا، وربما كان خلفا لنج. فخرج عاتا من الجنوب، ولكن آلهة مصر أمسكت به. والتقى به جلالته عند تنتاعا وأسر جميع جنوده. وأعطاني الملك عمرا مكافأة على أن أخذت سفينة عاتا الحربية، وغزوت أشخاص وخمس أرورات من الأرض في مدينتي. وعولج طاقم السفينة بالطريقة نفسها. ثم ظهر هذا المارق التافه المدعو تيتى عن، فجمع حوله المتمردين. وقضى عليه جلالته وأباد قواته. وأنا غزوت ثلاث أشخاص وخمس أرورات من الأرض في مدينتي.
ثم نجح أحمس في تثبيت نفوذه في النوبة، فبنى أول معابد مصر في صاى جنوب بوهن، أو على الأقل أقام مركز إدارة مصرية في بوهن. وعين تورى قائدا عليها. وكان تورى أول نائب للملك في عهد أمنحوتب الأول، رغم أن والده زاتايت كان يشغل هذا المنصب قبله. إلا أن لقبه لم يكن محددا.ولما مات الملك المظفر أحمس، خلفه ابنه أمنحوتب الأول من زوجته أحمس نفرتارى.وفي هذه الفترة، أتم ما بدأه والده من تحرير مصر من الهكسوس واستعادة علاقاتها الخارجية كما كانت في نهاية الدولة الوسطى.
No Comment! Be the first one.