هل يوجد ألماس في مصر؟
الماس هو أحد أثمن المعادن في العالم، وله تاريخ طويل في علاقته بالإنسان.لكن هل تحتوي مصر والدول العربية على الماس؟ وإذا كانت الإجابة بلا، فهل هناك احتمالية، مجرد احتمالية، لوجود هذا المعدن الثمين في صحارى هذه البلاد؟ قبل أن نجيب على هذه التساؤلات، لابد من التفريق بين مفهومَيْ “وجود” و”استخراج” الماس. فالوجود يعني تكوُّن الماس طبيعيًا في باطن الأرض نتيجة لظروف خاصة من درجة حرارة وضغط. أما الاستخراج فهو عملية استخلاص الماس من باطن الأرض إلى سطحها بواسطة آلات وتقنيات خاصة.فإذًا، فإجابة سؤال “هل تحتوي مصر والدول العربية على الماس؟” تكون كالتالي: لم يتم استخراج الماس من أية دولة عربية في أي فترة من فترات التاريخ. ولكن رغم ذلك، فإن بعض الشواهد الحقلية والمعملية تشير إلى احتمالية تواجد هذا المعدن في الصحراء الشرقية المصرية وبعض البلدان العربية مثل المملكة العربية السعودية.
دلائل تواجد الماس في الصحراء الشرقية المصرية
وتسألني عزيزي القارئ: ما هو الدليل على احتمالية تواجد الماس في الصحراء الشرقية المصرية؟
أقول: الدليل هو وجود صخور “الكربوناتيت” (Carbonatites) في أقصى جنوب الصحراء الشرقية المصرية، لأن تواجد هذه الصخور يعني بالضرورة تواجد صخور “الكمبرلايت” (Kimberlite) أو “اللامبرايت” (Lamproite)، وهي الصخور التي تحتوي على الماس. فالكربوناتيت والكمبرلايت أو اللامبرايت هي صخور تتكون تحت نفس الظروف، وتميل إلى أن تتواجد في الحقول والصحارى قريبة من بعضها البعض. وبالتالي فإن وجود هذا الصخر يدل على ذاك، والعكس صحيح.ولكن ما هو الكربوناتيت؟
الكربوناتيت هو صخر كربوناتي من أصل صهاري، يتكون من معادن الكربونات (مثل الكالسيت والدولوميت) وقليل من معادن السيليكات (مثل الميكا والأوليفين). وقد يحتوي على معادن نادرة مثل النيوبيوم والفلزات الأرضية.
قصة اكتشاف صخور الكربوناتيت في مصر
قصة اكتشاف صخور الكربوناتيت في مصر تعود إلى عام 1968م، حيث أسفرت عمليات البحث والتنقيب عن المعادن – التي كانت تقوم بها المساحة الجيولوجية المصرية تحت إشراف الجيولوجي الماهر محمود فوزي عزام والأستاذ الدكتور عبد العزيز عبد القادر حسين – عن وجود صخور كربوناتية في منطقة “جبل المنصورة”، التي تقع على حدود مصر والسودان (خط عرض 22) في مساحة قدرها 500 متر طولًا × 50 متر عرضًا.
ولم يقف اكتشاف صخور الكربوناتيت عند هذا الحد، بل بتكثيف عمليات البحث والتنقيب في المنطقة المحيطة بجبل المنصورة، تبيَّن أن هذه الصخور توجد أيضًا إلى شماله قليلًا في شكل “هالة حلقية” (Carbonatite Ring)، كما أنها توجد في جنوبه أيضًا في منطقة تسمى “جبل حسمة عمر”، والتي تقع داخل الأراضي السودانية. وقد أثبتت الدراسات أن كربوناتيت جبل حسمة عمر يأخذ شكل “جدة حلقية منحنية” (Curved Ring Dyke of Carbonatite).
دلائل تواجد الماس في المملكة العربية السعودية
وفي المملكة العربية السعودية، تشير بعض الدلائل إلى احتمالية تواجد صخور الكربوناتيت (وبالتالي صخور الكمبرلايت الحاملة للماس) إلى شمال قليل من منطقة “مهد الذهب”، وهي من أهم المناطق المحتوية على رواسب الذهب في السعودية. كما أن هناك بعض المناطق الأخرى التي تنكشف فيها صخور معقد القاعدة، والتي قد تحتوي على صخور ماسية.ولكن ما هو معقد القاعدة؟
معقد القاعدة هو طبقة من الصخور التي تشكلت في أعماق كبيرة من باطن الأرض، وتحتوي على معادن ثقيلة ونادرة. وهذه الصخور قد تصعد إلى سطح الأرض نتيجة لحركات التكتونية أو نشاطات بركانية. ومن بين هذه الصخور، نجد صخور الكمبرلايت واللامبرايت التي تحمل الماس.
دلائل تواجد الماس في الجمهورية اليمنية
في الجمهورية اليمنية، لا يستبعد تواجد صخور الكربوناتيت في مناطق الصومان ومكيراس والبيضاء، والتي تغطيها صخور يُعتقد أن بعضها من العصر الأركي القديم (Archian Rocks). وكما أشرنا سابقًا، فإن معنى تواجد صخور الكربوناتيت يعني ضرورة تواجد صخور الكمبرلايت أو اللامبرايت التي تحمل الماس. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على مصر والسعودية والسودان، وإنما يمكن تعميمه ليشمل الدرع العربي – النوبي كاملًا (Arabian – Nubian Shield)، والذي يحتوي على صخور ورسائخ قديمة، تتواجد في داخلها بعض المعادن المصاحبة للماس والدالة عليه مثل البيرول (Pyrope) والإيلمانيت (Ilmenite) والكلينوبيرول (Clinopyroxene).
فإذًا، فصخور الكربوناتيت ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنها موجودة في كل من مصر والسودان. كما ثبت احتمالية وجودها في كل من السعودية واليمن. ولأن هذه الصخور تتواجد دائمًا بصحبة صخور الكمبرلايت التي تحمل الماس، فهذا يعني أن تكثيف الأعمال الحقلية والدراسات الجيولوجية ربما يكشف عن تواجد الماس في صحارى هذه البلاد في المستقبل. والماس الذي يُعثَر عليه بهذه الطريقة هو ماس مستخرج من راسبه الأولى، وهي الرواسب التي تتكون من صخور الكمبرلايت أو اللامبرايت التي تنبثق من وشاح الأرض.
اكتشاف الماس النيزكي في مصر
ولكن هناك حالة خاصة من الماس، لا تنطبق عليها المعلومات السابقة، وهي حالة الماس النيزكي. وهذا الماس هو الماس الذي لا دخل للأرض أو وشاحها في تكوينه، ولا علاقة له بصخور “اللامبرايت” (Lamproite)، أو بصخور معقد القاعدة (Basement Complex). ويتكون مثل هذا النوع من الماس بتأثير اصطدام النيازك والشهب والأجرام الفضائية بسطح الأرض، حيث ينتج عن الارتطام ضغوطًا بالغة الشدة ودرجات حرارة عالية تحول ذرات الكربون في الصخور الموجودة بمنطقة الاصطدام إلى ماس.ولقد تم اكتشاف هذا الماس في مصر في منطقة تسمى “منطقة الزجاج الليبي” (Libyan Glass Area)، وهي منطقة تقع في صحراء مصر الغربية، وتشتهر بوجود قطع من زجاج صفراء شفافة، تعود إلى حادث اصطدام نيزكي قديم.
وقد أثبتت الدراسات التي يجريها الباحث علي عبد الله بركات، بالهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية – لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة – أن ما تم العثور عليه في منطقة “الزجاج الليبي” هو ماس طبيعي نقي 100%، وما تم التأكد منه بدراسة حيود الأشعة السينية (X-Ray Diffraction) داخل قطع من هذا الزجاج هو ماس طبيعي نقي 100%. وقد عثر على هذا الماس بصحبة صخور السربنتين (Serpentine) والجوثيت (Goethite)، وهذا في حد ذاته يعد أمرًا غريبًا.
الأدلة والبراهين على وجود الماس النيزكي بمصر
والأدلة التي اعتمد عليها الباحث في اعتبار هذا النوع “ماس نيزكي”، هي ما يلي:
- عدم وجود تدخلات من صخور نارية أو بركانية بالمنطقة، لأن المنطقة تمثل جزءًا من الصحراء الكبرى وجلها تغطيه الرمال.
- العثور على فوهة (Crater) متوسط قطرها نحو 45 كيلومترًا، وبعض الشواهد الأخرى التي تؤكد أن اصطدامًا نيزكيًا قد حدث بالمنطقة منذ أكثر من ثلاثين مليون عامًا. ولا يقلل من أهمية هذا الدليل عدم عثور الباحث على بعض القطع من النيزك ذاته، لأن الارتطام ينتج عنه حرارة عالية وضغوط شديدة تعمل في كثير من الأحيان على تفتيت جسم النيزك.
- إشعاعات الإيريديوم (Iridium Anomalies) العالية التي تم تسجيلها بالمنطقة، والإيريديوم – كما قلنا من قبل – أحد معادن البلاتين (Platinum Group Metals) التي تدل على الماس النيزكي.
والدلائل التي استند إليها الزميل الباحث كما رأينا دلائل قوية لها حجيتها، ولا شك في أن الماس النيزكي – الذي يتكون نتيجة لارتطام القطع النيزكية بسطح الأرض – موجود في هذه المنطقة. لكن الشيء المثير للاهتمام هو كيفية تكوُّن هذا الماس في غياب صخور غنية بالجرافيت (Graphite-rich Rocks) أو معادن الكربونات (Carbonate-rich Rocks)، التي تعتبر مصدرًا محتملًا للكربون في تكوين الماس. فما هو مصدر الكربون في هذه الحالة؟
في رأيي، أنه تحت هذه الظروف لابد أن يكون مصدر الماس هو الكتلة النيزكية ذاتها، ولا دخل لعملية الارتطام وما يصاحبها من درجات حرارة عالية وضغوط بالغة في مسألة تكوين الماس نتيجة اتحاد ذرات الكربون. فالكتلة النيزكية الساقطة من سماء الفضاء كانت غنية بالماس (Diamond-rich Meteorite) قبل وصولها إلى الأرض.
No Comment! Be the first one.