مقدمة البحث عن اداب العزاء
نحمد الله على أن هدانا إلى دين كامل تام الأركان، ليتبين لنا الحق من الباطل، ويرشدنا إلى آداب التصرف في كل جوانب حياتنا. ونشكره تعالى أن جعلنا أمة واحدة يحزن الجميع لمصاب الواحد ويبذلون في سبيل التخفيف عنه.وقد قدر الله الموت على كل بني آدم فقال ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾، وجعل الله عند الموت والعزاء آداباً لا كلفة فيها ولا مشقة، وهنا توجب علينا القيام ببحث عن اداب العزاء في السنة النبوية ووصايا الشرع في هذا الباب.
فضل التعزية في الاسلام
شرع الله لنا أن نعزي أهل الميت لتخفيف ألم المصاب ولوعة الفقدان عليهم، وتسليتهم وعونهم في الأيام الصعبة هذه. ومن أهم النقاط عند البحث عن اداب العزاء هو معرفة أهمية وفضل التعزية في الاسلام.
حزن المسلم لمصاب أخيه أمر مشروع في الإسلام، بل إنه يدل على خير كبير موجود في القلوب. وقد قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
يستدل العلماء أيضاً على فضل التعزية في الموت أو غيره من المصائب بقول الرسول ﷺ: “من عزى مصاباً فله مثل أجره”، وبقوله أيضاً: “من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة”.
انظر ايضاً: اول عبادة يحاسب عليها المسلم يوم القيامة
الكلام الطيب في العزاء
عند البحث عن اداب العزاء لن تجد قولاً محدداً يجب قوله عند التعزية، بل أي كلام فيه اعانة على الصبر والرضا بقدر الله، أو فيه دعاء للميت بالرحمة والمغفرة، فهو قول حسن. وقد قال الإمام النووي رحمه الله: وأمّا لفظة التّعزية فلا حجر فيها، فبأيّ لفظٍ عزاه حصلت.لكن عندما تسأل البعض “ماذا يقال في العزاء؟” قد يستحسن قول النبي عليه الصلاة والسلام عندما عزى ابنته فقال: “إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب”.
وبالطبع فإن الموت ليس حدثاً مناسباً لذكر أخبار الرياضة والأسهم والأعمال، فالأصل هو الوقوف مع أهل الميت في مصابهم، وتذكر الآخرة وفناء الدنيا، وأنا سننقل في النعش إلى قبورنا يوماً ما.وهذه بعض العبارات في أفضل ما يقال عند العزاء:
- أعظم الله أجركم، وغفر لميتكم، وأحسن عزائكم.
- غفر الله لميتكم والهمكم الصبر والسلوان.
- إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله لميتكم.
- غفر الله لميتكم وابدله داراً خيراً من هذه.
صناعة الطعام لأهل الميت
أهل الميت يوم العزاء ملوعون بفقيدهم، ومحزونون بمصابهم، ولا يحتاجون من يزيد الهم فوق همهم. ولذلك ليس مطلوباً منهم لا تحضير غداء ولا عشاء. بل أن تقديم الطعام لمعزيهم مكروه شرعا، إلا للقادمين من القرى أو المدن البعيدة من باب الحاجة العارضة.
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. لكن للأسف الكثير يتجاهل هذا القول عن البحث عن اداب العزاء في الاسلام!
أما بدلاً عن ذلك، يُسنّ لأصحاب أهل الميت من جيرانهم أو أقاربهم إعداد الطعام لهم، وذلك للتخفيف عنهم، وأنهم مشغولون عن ذلك بما هو أهم. ويستدل الفقهاء على هذه السنة بقول رسول الله ﷺ لأهله عندما استشهد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: “اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم.
عدم تكليف اهل الميت من الضيافة
الموت ليس احتفالاً أو فرحة حتى يقوم أهل الميت بضيافة القادمين اليهم، وكثير من الفقهاء لم يجز تقديم الضيافة للمعزين من قهوة أو شاي أو حلوى، أو حتى الاجتماع للتعزية. لكن الشيخ ابن باز رحمه الله كان ممن افتوا بجواز الاجتماع وتقديم الضيافة البسيطة للمعزّين.لذلك على الأقل، يجب على من يذهب للعزاء أن يدرك بأن ضيافة أهل الميت للمعزين ليس بواجب عليهم، فإن لم يفعلوا لم نعب عليهم ولا طلبنا منهم!
انظر ايضاً: موضوع بحث عن حقوق الجار
التعزية ثلاثة أيام فقط
يتفق جمهور الفقهاء على أن التعزية والحداد لا يكون أكثر من ثلاثة أيام، ويُكره أكثر من ذلك، واستدلوا على ذلك بقوله ﷺ: “لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا”.لذلك إن كنت مهتما في البحث عن اداب العزاء في الاسلام، حاول أن تذهب لأهل الميت وتعزيهم خلال الأيام الثلاثة من موت فقيدهم. وإن لم تستطع بسبب السفر أو غيره، فلا حرج عليك بتعزيتهم بعد مضي أكثر من 3 أيام.
عدم الاجتماع
الكثير من الفقهاء يرون أن الاجتماع للتعزية بدعة ليست من الاسلام في شيء، فقد قال ابن عقيل: “يكره الاجتماع بعد خروج الروح، لأن فيه تهييجاً للحزن”.
هذا الاجتماع مكروه حتى لو كان الجالسون يقرأون القرآن، وقد قال ابن مفلح في نقلاً عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع أهل المصيبة الناس على طعام ليقرؤوا، ويهدوا له، ليس معروفا فِي السلف، والصدقة أولى منه”
ترك النياح
من أهم النقاط التي على المسلم الانتباه لها عن البحث عن اداب العزاء في السلام هو أمر النياح، والذي نقصد به رفع الصوت عند البكاء على الميت.النياح في الاسلام ليس بجائز، وقد لعن الرسول الكريم ﷺ النائحة والمستمعة. ويستحسن نصح من يفعل ذلك ونهيه عن رفع صوته من باب النهي عن المنكر.
أما البكاء ونزول الدمع دون رفع للصوت فلا حرج فيه، بل هي رحمة أودعها الله في قلوب عباده. فعندما توفي ابن رسول الله ﷺ، قال الرسول: “إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون”.
ختام بحث اداب العزاء
رغم أن الموت أمر مسلم به، ومتكرر كل يوم، إلا أنه يبقى ذا رهبة كبيرة، وألم واسع. لكن يبقى عزاؤنا أن مردّنا إلى ارحم الراحمين، وأن يعاملنا بفضله، فيغفر الله لنا خطايانا ويدخلنا جنة عرضها السموات والأرض، فلا نشقى فيها بعد أبدا.لكن يبقى على المسلم البحث عن اداب العزاء، ليكون على الصراط المستقيم الذي أوصانا به نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
No Comment! Be the first one.