مقدمة عن الشرك
من أبرز أهداف الرسالات السماوية التي تنزل على الأنبياء هي الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وترك عبادة كل ما دونه. وعندما بُعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن الأمر مختلفاً، فهو قد بين لنا طريقاً قويماً يوصلنا إلى رضاء الله تعالى وجنته، وبين لنا جميع أنواع الشرك الأخرى التي تودي إلى النار.وعندما قام الفقهاء بالبحث عن الشرك وأنواعه المذكورة في القرآن والسنة، وجدوا ثلاثة أنواع؛ الشرك الأكبر والأصغر والخفي، والتي تتفاوت في درجة التحريم وقدر العذاب، ووضعوا نصائح للابتعاد عن هذه السبل المهلكة، نتعرف عليها معاً في هذا المقال.
ما هو الشرك الأكبر؟
أول ما نجده في البحث عن الشرك وأنواعه هو الشرك الأكبر، وكما هو ظاهر من اسمه، هو أعظم أشكال الشرك، فيخرج أهله من ملة الإسلام، ويرمي به إلى نار جهنم خالداً مخلداً، ويقع في ثلاثة أشكال:
الشرك في الربوبية
الشكل الأول هو الشرك في الربوبية، وله نوعان أيضاً: الأول هو تعطيل دور الخالق تعالى تماماً، وإنكار وجوده. وأبرز الفائلين بهذا هو فرعون الذي قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}. ومنهم الملاحدة الذين يرون أن الكون الواسع هذا جاء بالصدفة بلا خالق، وأيضاً أولئك القائلين بوحدة الوجود، والذين يزعمون أن الله وخلقه واحد، فالعبد إله، والإله عبد!
أما النوع الثاني من الشرك في الربوبية فهو القول بأن مع الله رباً آخر يشاركه صفاته، وذلك دون إنكار وجود الله. وممن يقول بذلك هم النصارى الذين جعلوا الله ثالث ثلاثة، والذين يؤمنون أن الكواكب والأبراج هي سبب رزقهم من دون الله، والذين يؤمنون بأن أرواح أولياء الله قادرة على استجابة الدعاء ورد البلاء.
انظر ايضاً: الكبائر السبعة فى الاسلام (السبع الموبقات)
الشرك في الألوهية
هذا النوع من الشرك هو عبادة خلق من خلق الله، أو تأدية شعيرة تعبدية يبتغى بها غير وجهه تعالى، ومن هذا المنطلق يكون للشرك في الألوهية ثلاثة أنواع:
- النوع الأول يكون بتأدية شعائر تعبدية لغير وجه الله تعالى، مثل الدعاء والنحر للأصنام أو الأشخاص من شيوخ أو سلاطين.
- النوع الثاني من الشرك بالألوهية هو اشراك غير الله في اتباع الأوامر واجتناب المنهيات، فمن يطيع مخلوقاً يحلل الحرام أو يحرم الحلال يقع في الشرك.
- أما النوع الثالث فهو شرك المحبة، وهي المحبة الخاصة بين العبد وربه، والتي تستلزم الذل والخضوع والطاعة الكاملة. فمن أحب ما دون الله من بشر أو مال كمحبته لله، كان مشركاً. وحتى محبة رسول الله ﷺ يلزم أن تكون أقل من محبة الله تعالى. والله تعالى يقول :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه}.
الشرك في الأسماء والصفات
آخر أشكال الشرك الأكبر الموجودة في هذا البحث عن الشرك وأنواعه هو الشرك في الأسماء والصفات، فمن يقول أن يد الله مثل يد خلقه، أو أن سمع الله مثل سمع البشر كان مشركاً. وأيضاً اشتقاق أسماء من أسماء الله الحسنى ومنحها لما هو دونه، مثل المشركين الذين سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز. وبالطبع فإن إنكار صفة ثابتة لله تعالى هي من الشرك الأكبر.
ما هو الشرك الأصغر؟
يقول أهل العلم أن الشرك الأصغر لا يٌخرج من ملة الإسلام، ومن يقع فيه لا يخرج من الدين، لكنه قد يكون سبباً في وصول صاحبه إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله. لكن يبقى الوقوع فيه أمر خطير وشديد التحريم، فهو أقل حرمة من الشرك الأكبر، وأكثر من كبائر الذنوب كالزنا والخمر.
ومن قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} يرى بعض العلماء أن الشرك الأصغر مشمول في قوله تعالى{مَا دُونَ ذَٰلِكَ}، ويُرجى أن يغفره الله. لكن جمعاً آخر من العلماء قالوا أن الله لا يغفر الشرك الأصغر أبداً، ولا بد لصاحبه أن يأخذ نصيبه من العذاب قبل دخول الجنة.
أمثلة على الشرك الأصغر:
البحث عن الشرك وأنواعه ليس بالبحث الطويل بشكل عام، لكن أشكال الشرك الأصغر كثيرة جداً، ويظهر الجديد منها في كل زمان. وهنا نذكر كلم أكثر ما ينتشر بين الناس منها:
- الحلف بغير الله، وذلك بدليل قول رسول الله ﷺ “من حلف بغير الله فقد أشرك”
- تعليق التمائم الشركية، والخرزة الزرقاء، والطلاسم، ولو كان ذلك بدعوى أنها ترد الحسد والعين.
- بعض الأعمال القلبية مثل: الخوف من غير الله، والذل والخضوع وابتغاء الرزق عند غير الله.
- الرياء الخفيف، بدليل قوله ﷺ: “إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء”
- بعض العبارات مثل: ليس لي إلا الله وأنت، متوكل عليك وعلى الله، الله في السماء وأنت في الأرض.
- التصديق بأن الكواكب والأبراج لها أثر على الناس. ومن صدق أن الأبراج تنفع وتضر من دون الله فقد جاء بالشرك الأكبر.
- الإيمان بأن الكون يستجيب للإنسان بعد أن يستقبل ذبذبات الطاقة منه.
ما هو الشرك الخفي؟
البحث عن الشرك وأنواعه يصل بنا إلى ثالث الأنواع، والذي ينبثق منه شكلين اثنين: الأول هو الرياء، والذي يسمى بالشرك الأصغر أيضاً كما ذكرنا.
والشكل الثاني هو الذي يودي إلى جهنم والعياذ بالله، وهو شرك النفاق الذي يجعل أهله يبطنون الكفر في صدورهم ويخفونه عن الناس ويتظاهرون بالإيمان. يقول الله :{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}.
انظر ايضاً: أعظم الذنوب التي لا يغفرها الله لصاحبها
الوقاية من الشرك
من المهم لكل من يبحث عن الشرك وأنواعه أن يتعلم كيف يحصّن نفسه وألا يقع في أي شكل من أشكال الشرك.
ومن أهم قواعد الوقاية من الشرك هو تعلم العقيدة الصحيحة من المصادر الموثوقة، والتعرف على نواقض الإسلام التي تخرج المرء من دينه، واللجوء إلى أهل العلم والذكر عندما يوسوس لك الشيطان بأفكار شركية.
وقد علمنا رسول الله ﷺ دعاءً قصيراً لتجنب أي نوع من الشرك: “اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نعلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ”.
هل يغفر الله الشرك؟
قال الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، وهذه الآية واضحة أن الله تعالى لا يغفر لمن يموت وهو مشرك، وستكون النار منزله خالداً فيها. وقد ذكرنا أن البعض من الفقهاء يرون أن الشرك الأصغر داخل في هذه الآية، والبعض الآخر يرون أن الله قد يغفره، لكن كلا الطرفين متفقان أن من لديه شركاً أصغر لا يخلد في النار.
لكن على كل حال، نتذكر أن رحمة الله وسعت كل شيء، ونحمده تعالى على ذلك، فقد أعطى الإنسان فرصة للتوبة حتى موته أو قيام الساعة. ورغم أن الشرك ظلم عظيم، إلا أن الله يغفر ويتوب على من يرجع عن شركه ويعود لتوحيد الله وعبادته حق العبادة.
خاتمة البحث عن انواع الشرك
عند البحث عن الشرك وأنواعه يخاف المرء على نفسه، وخصوصاً في هذا الزمان الذي أصبح من يقبض على دينه كمن يقبض على الجمر. والجميع يتفق بأن الالتزام بالشرع اليوم ليس سهلاً، وفي الطريق عقبات كثيرة.
لكن هذه الدنيا هي دنيا اختبار، ومن يصبر على المشقة له أجر عظيم، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. لذلك اعضض على هذا الدين بأسنانك، وابتعد عن أي شكل من الشرك، لتكون من أهل النعيم إلى أبد الآبدين بإذن الله.
No Comment! Be the first one.