الدلائل والبراهين التي تدلّ على أنّ محمد ﷺ نبي مرسل من عند الله كثيرة جدّاً، وقد كتب العلماء وألّفوا حول هذه الأدلة، وقد اشتملت أدلّة عقليّة وخبريّة وحسيّة حتى أوصلها بعضهم إلى 1000 من الأدلّة على نبوة محمد ﷺ.وقد دعت الحاجة، اليوم أكثر من السابق، في أن نتحدّث عن بعض هذه الأدلّة لإثبات رسالة محمد ﷺ، فبالتعرف عليها يزيد إيمان المؤمنين، وتتلاشى شكوك المشكّكين، ويدرك البعض أن المسلم يبني إيمانه على قواعد متينة، لا على أوهام وأساطير!لكن وجب التنبيه، فهذا المقال الصغير لا يمكن له أن يتّسع لكثير من التفصيل والاسهاب في الأدلّة، لذلك ننصحكم بالاستزادة من الكتب التي نضعها لكم في نهاية المقال.
صدق النبي محمد ﷺ دليل على نبوّته
النبوّة في أساسها هي خبر ينقله الرسول عن الله تعالى إلى الناس، ومن أجل أن تعرف فيما إن كان هذا الرسول صادقاً أو كاذباً، انظر في حياته، وستجد الإجابة. كما أنّ المرء يجد صعوبة في إخفاء كذبة صغيرة قد كذبها، فمن المستحيل أن يتمكّن إخفاء ادعاءه الكاذب بالنبوّة لأعوام طويلة دون أن يُكشف، فصعوبة إخفاء الكذبة تزداد مع ازدياد حجم الكذبة.وبهذا المعنى يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: “النبوّة إنما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين” وقال ابن تيمية: “ومعلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم، وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم”.فعندما تقرأ سيرة رسول الله ﷺ، فمن المفترض أن يكون اكتشاف كذبه سهلاً. لكن في الحقيقة، فكلمّا قرأت عن هذا النبي العظيم، كلّما تيقّنت أن من مثله لا يكذبون أبداً، وهذا أهم الأدلّة على نبوة محمد ﷺ.
قبل أن يُبعث رسول الله ﷺ ويأمره الله بتبليغ الناس، كان قومه يشهدون له بصدقه وأمانته، وقد لقّبوه بالصادق الأمين. ومن أروع الشواهد على ذلك هو عندما استدعى هرقل عظيم الروم أبا سفيان قبل إسلامه ليتعرّف على هذا النبي، ففي آخر كلامهما قال هرقل: “سألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال -أي نبوّته- فذكرت أن لا؛ فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله”.وحتى لو بحثت اليوم في كتب أعداء الإسلام، تجدهم لا يتهمون النبي ﷺ بالكذب أبداً، وإنما ببعض السلوكيات التي هو منها بريء، وهذا اعتراف ضمني أنّ هذا محمّداً ﷺ لا يكذب.
دلالة القرآن على صدق النبوة
الأدلّة على نبوة محمد ﷺ في القرآن عديدة ومتنوعة، ولها الكثير من الأمثلة، نعرض لكم بعضها فقط:
لغة القرآن وبلاغته
القرآن الكريم هو دليل قائم بذاته على صحّة نبوّة محمد ﷺ، فقد جاء على يد رجل أمي لم يكتب شعراً قط، وتحدّى به جميع العرب بآيات مستفزة لهم ليأتوا بسورة من مثله، في فترة كانت اللغة والأدب هي ديدنهم وفيها براعتهم، رغم أنّهم كانوا يبحثون عن أيّ شيء يدحضون به رسالة محمد ﷺ.ومن جانب آخر، هل تعتقد أنّه من العقلاني أن يأتي رجل ليكذب على قومه، ثم يتحدّاهم بأكثر ما يبرعون فيه، إلّا إن كان نبياً من عند الله؟! بل ويقول لهم أنكم ولو اجتمعتم، بإنسكم وجنّكم، فلن تقدروا على أن تأتوا بسورة، ثم يهددهم بعذاب أليم. قال الله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ () فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.
حادثة الإفك
كانت حادثة الإفك، التي اتّهم فيها أحد المنافقين السيدةَ عائشة في عرضها، أمراً مؤلماً لرسول الله ﷺ، فضاق صدره واشتدّ الأمر عليه، وكان يتمنى أن ينزل شيء من كلام الله بهذا الشأن، لكن ذلك لم يحصل إلّا بعد مرور شهر تقريباً، فنزلت آيات من سورة النور.هنا نقول، أنّ رسول الله ﷺ لو كان كاذباً، لكان اختلق شيئاً وأضافه إلى القرآن الكريم في الساعة نفسها التي اتُّهمت فيها السيدة عائشة، ولما انتظر شهراً كاملاً لتبرئتها، وهي أحب الناس إليه، لكنّ حكمة الله أرادت أن تتأخر تبرئتها ولا تنزل مباشرة، واليوم يُستدلّ بها كواحدة من الأدلّة على نبوة محمد ﷺ.
وجود آيات العتاب من أدلّة نبوة الرسول
في بعض آيات القرآن الكريم يعاتب الله تعالى نبيه ﷺ على بعض ما فعل، كقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى () أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} عندما فضّل رسول الله ﷺ دعوة كبار المشركين على دعوة رجل كفيف جاء ليسترشده، وعبس في وجهه. وفي آية أخرى عاتب الله رسوله فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}.السؤال هنا ببساطة، لو لم يكون محمد ﷺ رجلاً مرسلاً مأمور بتبليغ القرآن كاملاً، أو لو أنّه هو من ألفه، فلم يعاتب نفسه، ويجعل الناس تقرأ هذا العتاب لمئات السنوات بعد وفاته ﷺ.
أخبار الغيب في القرآن من الأدلّة على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم
القرآن الكريم مليء بالأخبار المستقبلية التي ستحصل، وتأتي بأسلوب جازم لا شكّ فيه، فلو أنّ واحداً من هذه الأخبار لم يتحقق، لانكشف كذب رسول الله ﷺ حاشاه. فمثلاً يقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.في هذه الآية وعد الله نبيّه بالنصر في الدنيا قبل الآخرة، فتخيّل لو أنّ رسونا الكريم لم يدخل مكّة، أو أنّه قُتل أو هُزم، لعلم الناس أنّ القرآن كلام بشري يصيب ويخطأ، لكنّ الأمر ليس كذلك، بل هو وحي من عند علّام الغيوب.
أخبار الأمم السابقة
من الأدلّة على نبوة محمد ﷺ أيضاً هي القصص القرآنية التير روت أخبار الأمم والأنبياء السابقين، فرغم أنّ العرب في ذلك الوقت لم يكونوا يعلمون شيئاً عمّن سبقهم، وكانت القصص لدى اليهود والنصارى إمّا محرّفة وناقصة، أو غير موجودة أصلاً، جاء القرآن بقصص تاريخية، وبتفاصيل دقيقة لا يمكن لبشر معرفتها إلّا لو أخبره بها أحدهم، والمخبر هنا هو الله تعالى.
الإسراء والمعراج من أدلّة نبوّة محمد ﷺ
قبل هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة، حصلت معه معجزة سجّلها القرآن في صفحاته، وهي حادثة الإسراء والمعراج.هذه الحادثة حصلت في الفترة التي كان المسلمون فيها أقليّة، وكانت قريش تبحث عن أيّ خطأ يرتكبه رسول الله ﷺ ليدحضوا رسالته. وفي هذه الحال، أصبح رسول الله ﷺ أحد الأيام قائلاً للناس أنّه زار القدس وصعد إلى السماء في ليلة واحدة. تخيّل أخي لو أنّ الرسول ﷺ كان كاذباً، لما كان ليتجرّأ على أن يدّعي شيئاً كاذباً كهذا، فادّعاء أنه سافر للمقدس وصعد إلى السماء في ليلة واحدة، كان ليهدد دعوته كلّها. لكنه رسول الله ونبيّه، ومأمور أن يبلّغ كل ما يأتيه عن ربّه.هذا فضلاً عن أنّ حدثاً كهذا لا يمكن أن يحصل إلّا لنبي من عند الله تعالى، وقد وصلنا خبر هذه القصّة بالتواتر القطعي الذي لا شكّ فيه.
دلائل نبوة محمّد ﷺ من حياته وسيرته
من أعجب الأدلّة على نبوة محمد ﷺ هي ما جاء عنه، وما استفاد الناس منه، فرغم مرور أكثر من 1400 عام على بعثة محمد ﷺ، إلّا أن العلماء والمحدّثين لم يكتفوا حتى اليوم من الكتابة عن هذا الرجل العظيم واستخراج الكنوز والنفائس من سيرته.هذا طبعاً لم يحصل لرجل قط في التاريخ، فحياة النبي ﷺ اشتملت الجانب القضائي والعسكري والاجتماعي والعائلي والاقتصادي والأخلاقي وغير ذلك، فهو قدّم منظومة شاملة لجميع الناس بشتّى أدوراهم وأماكنهم وأزمانهم، رغم أن فترة حياته بعد البعثة لم تتجاوز الـ 23 عاماً، وقد تخللتها الغزوات والابتلاءات وفترات الضيق.
كيف يكون كسوف الشمس دليلاً على صدق محمد؟
في السنة العاشرة للهجرة، توفّي إبراهيم ابن رسول الله ﷺ، وكان حدثاً محزناً لرسول الله ﷺ. في ذات يوم، كُسفت الشمس، فقال الناس: كسفت الشمس لوفاة ابن رسول الله ﷺ، فقال رسول الله: {إنّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلّوا وادعوا الله}.ألا ترى يا صديقي أنّه لو كان محمد ﷺ كاذباً مدّعياً للنبوة، لوافق الناس على ما يقولون في أنّ الشمس كسفت لأجل موت ابنه، ولاستغلّ هذا الحدث ليقول: هذه معجزة أتاني الله إيّاها. مع العلم أن في ذلك الوقت لم يكن أحد يعلم السبب وراء هذه الظاهرة الفلكيّة، وكانت أمراً غريباً للجميع.
دلائل النبوّة التي حصلت بين يدي محمد (المعجزات)
تواترت الأخبار على ألسن الصادقين المعروفين بالضبط والعدالة حول بعض الخوارق التي حدثت بين يدي رسول الله ﷺ، وهي كثيرة، ومعروفة باسم “دلائل النبوة”، مثل سماع الصحابة لصوت حنين جذع النخلة الذي كان يستند إليه رسول الله ﷺ عند الخطبة، وتكثير الطعام بين يديه مرّات عديدة، وتفجر الماء من بين أصابعه، وغير ذلك الكثير.كما يُضاف هذا كله إلى المعجزات الجليّة التي تتحدّى المشركين، كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، والقرآن الكريم، لتتشكل مجموعة أخرى من الأدلّة على نبوّة محمد ﷺ.
دلائل نبوة محمد في التوراة والانجيل
أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أنّ موسى وعيسى بشّرا بقدوم رسول الله محمد ﷺ، فقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ}. ورغم ما أصاب هذين الكتابين من تحريف وتغيير، إلّا أنّ بعض المسلمين استطاعوا العودة إلى نسخ قديمة من الكتابين والعثور على هذا التبشير.ففي الإنجيل مثلاً، يقول عيسى عليه السلام: “لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه ن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم”. كلمة المعزّي في هذا النص هي ترجمة غير دقيقة لكلمة “باراقليط” الموجودة في النص الأصلي اليوناني، فمعناها الأصح هو الذي له حمد كثير، فيكون محمد، وهذا كلام الدكتور منقذ السقّار.ومن أفضل الكتب التي تبين أدلة نبوة محمد في الإنجيل والتوراة هي:
- تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله ﷺ (نصر الله أبو طالب)
- يجدونه مكتوباً عندهم (فيصل علي الكاملي)
- هل بشّر الكتاب المقدّس بمحمد ﷺ (منقذ السقار)
أفضل الكتب حول الأدلّة على نبوّة الرسول صلى الله عليه وسلم
الكتب التي تتكلم عن نبوّة محمد ﷺ كثيرة، لكن ربما يكون أفضلها هو كتاب دلائل النبوة للبيهقي، والكتاب المعاصر “براهين النبوّة” لسامي العمري.يمكنك الاستزادة أيضاً بمشاهدة السلسلة الممتعة التي يقدمها د.منقذ السقار بعنوان براهين النبوة.
في الختام
كما ذكرنا في البداية، فالأدلّة على نبوة محمد ﷺ لا يمكن أن تنحصر في مقال بسيط كهذا، وذلك لأنها قد تزيد على ألف دليل. لكن مع ذلك، فإنّ المشركين يأبون التصديق به وبرسالته، تكبّراً وجهلاً، أمّا من هو مستعد لأن يسلم للحق أينما وجده، تراه يرتمي في حضن الإسلام دونما تردد.وأما الشبهات والشكوك التي تدور حول رسول الله ﷺ، فإما تكون جهلاً، أو الفهم الخاطئ، أو الأخذ بجزء من القصة لا كاملها، وكثيراً من الأوقات تكون بسبب التدليس والكذب والافتراء.
No Comment! Be the first one.