العلم المساعد هو العلم الذي يعمل كدعم لعلم آخر بحيث يلبي أهدافه وغاياته.فمن الضروري للمؤرخ أو الباحث ،أن يكون مُلماً بالعلوم التي تساعده في دراسة علم التاريخ ،والبحث فيه كذلك.كما يجب ان يكون على قدر كبير من المعرفة والثقافة التي تُمكنه من الكتابة التاريخية.ويطلق على هذه العلوم التي يعتمد عليها باحث التاريخ، بالعلوم المساعدة أو العلوم الموصلة،وتختلف العلوم بالنسبة للدارس باختلاف العصر الذي يكتب فيه الباحث.ومن أهم هذه العلوم المساعدة :
1- علم اللغات
نعلم جيداً ان التاريخ مر بلغات عديدة،لذلك ينبغي للباحث في التاريخ معرفة اللغة الأصلية الخاصة بالموضوع التاريخي المراد البحث فيه،ولا يعتمد على لغة واحدة في مصادره البحثية.فعلى سبيل المثال، إذا كان الباحث يتناول موضوع عن الثورة الفرنسية فعليه معرفة اللغة الفرنسية أو عن الدولة العثمانية فعليه معرفة اللغة التركية وهكذا، وكلما تعددت اللغات التي يعرفها الباحث سهل أمامة البحث التاريخي.ويعد فقه اللغة من احد العلوم اللغوية المهمة المساعدة لعلم التاريخ ،والمقصود منه معرفة المعاني والمقاصد اللغوية المتعددة للكلمة الواحدة .
2- علم قراءة الخطوط
هو علم ضروري للبحث التاريخي ،حيث توجد أنواع مختلفة من الخطوط لا يمكن فك رموزها حتى يتعلمها الباحث.تعتمد دراسة الخطوط بشكل كبير على علم اللغة ،وبالرغم من ذلك هناك العديد من اساليب الكتابة وانواع الخطوط التي اعتمدت عليها بعض العصور والحضارات القديمة،فإذا اردت ان تأخذ التاريخ من عدة مصادر ووثائق فيجب ان تكون على قدر معرفي بعلم الخطوط لحفظ الكثير من الوقت.فعلى سبيل المثال نجد بعض الوثائق العثمانية بعدة خطوط مثل الديواني والقيرمة، وخط القيرمة خط معقد، ولقد أوجده العثمانيون لتحرير الشئون الإدارية والمالية، ويوجد بدار الوثائق القومية المصرية الآلاف من الوثائق التي كتبت بهذا الخط.وكما هو الحال في الخطوط العربية فمنها الطومار، ومنها النسخ والرقعة والكوفي والفارسي والمغربي والغبار.
أيضا تطورت الخطوط الأوربية من عصر إلى آخر وطرأت عليها تغييرات لا بد للباحث من معرفتها.كما توجد بعض الكتابات المشفرة التي تحتوي على معلومات مخفية ،وعادة ما تستخدم في اوقات الحروب، فينبغي على المؤرخ التاريخي الماهر أن يلم بالطريقة التي تمكنه من حل رموز هذه الأرقام (الشفرة) بواسطة المفتاح الخاص بها، الذي يوجد في دار المحفوظات التاريخية أو (الأرشيف) الذي يعمل به.
3- علم الوثائق والاختام
الوثائق في المعنى العام تدل على الأصول التي تحتوي على معلومات تاريخية، مثل الأوامر والقرارات والمعاهدات والاتفاقيات والمراسلات السياسية والكتابات التي تتناول مسائل الاقتصاد أو التجارة أو عادات الشعوب وتقاليدهم، وما يصيبهم من قوة أو ضعف، وكذلك المذكرات الشخصية أو اليوميات أو كتب العلماء القدماء.
تعد دراسة علم الوثائق أداة قيمة للمؤرخين، حيث إنها تتيح لهم القدرة على تحديد هل المستندات التاريخية والأرشيفات المزعومة هي مستندات أصلية في الواقع أم مستندات مزورة. كما يمكن استخدام التقنيات الخاصة به كذلك للمساعدة على تحديد تاريخ للمستندات غير المؤرخة،مثل نوع الورق المستعمل وخصائصه مثل العلامات المائية والألياف ،واستخدام بعض الوسائل العلمية لفحص الخط والحبر والورق مثل العدسات المكبرة، والمجهر الذي يحدد ضغط القلم وميل الكتابة.كما يمكن معرفة عمر الورق ،بالتحليل الكيميائي.
ويتصل بدراسة الوثائق دراسة الأختام التي تمهر بها أو توضع عليها.وهي ذات أنواع وأشكال مختلفة مثل أختام الشمع التي تطورت إلى أختام معدنية خاصة.والتي استخدمها الأمراء والملوك منذ أزمان بعيدة، كما وجدت أختام ذهبية عند بعض ملوك العصور الوسطى، ومعرفة أنواع الأختام يمكن عن طريقها التثبت من صحة الوثائق ، وبذلك فإنه لا بد لنا من معرفة المواد التي منها هذه الأختام وكيفية بصمها مثلا وعدد الأشخاص الموكلين بها.
4- علم الرنوك
الرنوك هي العلامات المميزة التي تظهر على الأختام أو على الدروع أو على الإعلام.وقد عرف القدماء هذه الرنوك واستخدموها في اشهار حضارتهم.لذا ينبغي على الباحث التاريخي ،دراسة علم الرنوك جيداُ.ليكون قادراً على إثبات صحة ما يكتشف أو يعثر عليه من أسلحة ودروع وغيرها.
ويدخل علم النميات ايضاً مع علم الرنوك،وهو العلم الذي يهتم بدراسة تاريخ النقود والمسكوكات.دراسة هذه العملات تجعل الباحث على دراية كبيرة لأسماء الملوك والامراء ،ومعرفة مدى التوسع التجاري للدولة ،وكذلك مستوى الشعوب الاقتصادي.
5- علم الاقتصاد
يعتبر علم الاقتصاد من العلوم المساعدة في دراسة التاريخ لأن العوامل الاقتصادية لها أثرها في سير التاريخ،فالثروة الطبيعية في بلد ما تحدد نوع الانتاج الزراعي والصناعي وكذلك مدى التبادل التجاري وكذلك توزيع الثروة الطبيعية بين السكان أو بين طبقة معينة يؤشر بلا شك على مستوى الرخاء أو الفقر بين السكان.كما تؤثر الظروف الاقتصادية في علاقة الدولة ببقية الدول سواء كانت العلاقات صادية أو سياسية، ومن أمثلة ذلك تحول طريق التجارة العالمي من أراضي الدولة المملوكية إلى طريق رأس الرجاء الصالح وأثره في تدهور الحالة الاقتصادية للمماليك، وكذلك الحصار القاري الذي فرضه نابليون على بريطانيا بغرض هزيمتها اقتصادية،لكي يحملها على الاستسلام والخضوع .
6- علم الجغرافيا
مما لا شك فيه أن علم الجغرافيا من أهم العلوم المساعدة الضرورية لدراسة علم التاريخ.هناك ارتباط وثيق بين الجغرافيا والتاريخ، لأن الأرض هي المسرح الذي تحدث عليه الوقائع التاريخية.وللظواهر الجغرافية المختلفة أثر كبير على الإنسان وعلى التاريخ أيضا، فالسهول والجبال والغابات والمناخ والموقع الجغرافي،تؤثر كلها في تكوين الإنسان،وفي ملكاته العقلية وفي أدبه وفي علمه،وفي اهتمامه بالفنون في حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.ويلاحظ أيضا أن التضاريس تؤثر تأثيرا كبيرا في المعارك الحربية.على المؤرخ دراسة هذه الأحوال ليمكنه تحلیل المعارك الحربية،ومعرفة ثقافة الشعب وتخيل احوالهم ومعيشتهم.
إذا طبقنا أثر الجغرافيا في دراسة التاريخ على مصر،نجد أن النيل هو مصدر الحياة في مصر،لذلك تركزت حياة المصريين في هذا الوادي الخصيب.فعلى الباحث في التاريخ أن يعرف الأحوال والعوامل الجغرافية المختلفة التي تحيط بالشعوب وبالعصور وربطها بموضوع بحثه التاريخي.
7- علم الاجتماع
يعتبر علم الاجتماع من العلوم الوثيقة الصلة بـ علم التاريخ والتي يحتاج المؤرخ إلى الوقوف عليها لتساعده في فهم الأحداث التاريخية، ومن المعروف أن التاريخ يهتم بدارسة التغير الاجتماعي مثلما يهتم بدراسة التغير السياسي والاقتصادي والديني والحربي، أي أنه يهتم بدراسة حركة المجتمع داخل الزمان.كما يهتم المؤرخ بدراسة طبقات المجتمع وعاداته وتقاليده ،لمعرفة انتمائات الشعوب وتقاربهم،لتكوين صورة كاملة للأحداث.
8- علم الأدب والفنون
الأدب يساعد الباحث في التاريخ على فهم الجوانب والاحوال المختلفة في العصر الذي يدرسه.حيث برع القدماء المصريين في علم التحنيط وفنون النحت،بينما كان العرب في عصر ما قبل الاسلام اشد براعاً في الشعر.عادة ما تكون تشير الأعمال الأدبية والفنية على تصويرات كاملة للأحداث والوقائع التاريخية في فترات مختلفة.
تميز كل عصر عن غيره بفنون العمارة الخاصة به ،على سبيل المثال دراسة الفنون المعمارية ،تجعل الباحث على قدر كبير من المعرفة ،في تفريق المنشأت الأثرية وانسابها الى عصرها المناسب ،العصر الروماني،العصر العثماني،العصر الفرعوني.
انظر ايضاً: موضوع بحث عن الفن التشكيلي المعاصر
كما هو الحال بالنسبة لفنون الموسيقى وما يرتبط بها من فنون المسرح والرقص.التي تعد من المرايا التي تعكس أو تكشف عن كثير من الوقائع والحقائق الخاصة بعصور التاريخ.فبعض موسیقی بيتهوفن على سبيل المثال،تعبر عن ثورته أو حملته على طغیان نابليون على أوربا في مطلع القرن التاسع عشر، على الأخص سيمفونيته الثالثة المسماه بالبطولة التي تعد نقداً موسيقية عارماً لطغيان الفرد.
9- علوم مساعدة اخرى
بالإضافة إلى هذه العلوم والفنون يجب على دارس التاريخ أن يلم بطائفة أخرى من العلوم المساعدة مثل علم المنطق.الذي يفيده في بنائه التاريخي.كما أنه في حاجة إلى أن يعرف أشياء عن فلسفة التاريخ، وعلم الآثار وعلم الأجناس وعلم النفس، وعن القانون وعن النظريات السياسية وعلم الإحصاء وعن الرياضة والفلك والنبات والحيوان.ومن الأمور الأساسية للباحث في التاريخ ألا يلتزم حدود بلده.بل ينبغي عليه السفر والارتحال داخل بلاده وخارجها .وبالتالي فعليه أن يقرأ بعض كتابات المؤرخين السابقين أو بمعنى آخر أن يلم بثقافة تاريخية عامة.
No Comment! Be the first one.