هناك عدة عوامل مؤثرة في إنتاج المعادن بعضها طبیعی والآخر بشری، وهي التي تحدد إمكانية ومستوى استغلال أي معدن من هذه المعادن في المناطق الجغرافية المعينة.وهذا ما سنتناوله فيما يلى :
أولا: العوامل الطبيعية
وهي عوامل طبيعية تؤثر على عملية استخراج وانتاج المعدن من باطن الأرض ،ولا دخل لأيدي البشر فيها،وهي كالأتي:
1- الموقع الجغرافي للمعدن
إن للموقع الجغرافي للمعدن دورا كبيرا في مدى اسغلاله، وخصوصا أن معظم المعادن ثقيلة الوزن، وكبيرة الحجم، وقليلة القيمة بالنسبة لوزنها. كما أن معظم المعادن الفلزية بصفة خاصة تفقد كثيرا من وزنها عند تصنيعها، مما يترتب عليه زيادة في تكلفة إنتاجها نظرا لتحملها لتكلفة النقل. فهناك معادن تتميز بموقعها الممتاز نظرا لقربها من الطرق التوافر وسائل النقل الرخيصة، وأماكن التركز السكاني والنشاط الصناعي، مما يساعد على استغلال هذه المعادن على نطاق أوسع وبنفقات إنتاج أقل مقارنة بمثيلتها التي لا تتوافر لها هذه المزايا .
2- العوامل المناخية
يلعب المناخ دورا مهما في الإنتاج المعدني. فالمعادن في الجهات القطبية شديدة البرودة، أو في الجهات شديدة الحرارة كما في منطقة حوض الأمزون يصعب استغلالها، أو التي قد تتعرض لسقوط الثلوج لفترة معينة يرتب عليها صعوبة التعدين، وخاصة في المناطق التي تتبع طريقة التعدين السطحي .كما أن متوسط الإنتاج في المناطق المتطرفة المناخ أقل من في المناطق ذات المناخ المعتدل .فمناطق الإنتاج التي تعتمد على النقل المائي يتوقف نقل خاماتها عند تجمد المياه فترة من الوقت بسبب البرودة،وأحيانا يترتب على العواصف الرملية والسيول تعطل حركة النقل على الطرق البرية والسكك الحديدية ، في المناطق الصحراوية.
للمناخ كذلك أثره على طاقة الإنسان وقدرته على العمل في ميدان التعدين فهناك علاقة بين نوع المناخ الذي يلائم النشاط البشري وبين الأقاليم المتقدمة في ميدان التقدم الصناعي الذي يعتمد بدوره على الإنتاج المعدني كما في دول غرب أوروبا وفي شرق الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بخلاف المناخ الصحراوي الحار كما في الصحراء الكبرى في أفريقيا، وفي صحراء شبه جزيرة العرب.
انظر ايضاً: صناعة العملات المعدنية وتطورها
3- التركيب الجيولوجي
إن للتركيب الجيولوجي لصخور القشرة الأرضية دوره في تحديد نوع المعادن المرتبطة.توجد هذه الصخور على أعماق بعيدة، ولا تظهر على سطح الأرض إلا بفعل عوامل التعرية التي أزالت الصخور حديثة التكوين فوقها.
ترتبط بعض المعادن بالتاريخ الجيولوجي للصخور، فقد تكونت بعض المعادن في عصور جيولوجية معينة، بينما تكون بعضها في أكثر من عصر جیولوجی. فوجود الذهب يرتبط بالصخور الأركية القديمة التي تكونت في ما قبل الكمبري، ومثله القصدير والتنجستن، هذا بخلاف الحديد الذي ينتمي الى أكثر من عصر، والماجنيتيت يرتبط بالزمن الأول، بينما يوجد الهماتیت في الصخور التي تنتمي لعصور أحدث، ومثله الليمونیت والسيدريت اللذين ينتميان إلى الزمن الثاني وأوائل الزمن الثالث. كما يرتبط الفحم بالعصر الكربونی عصور الزمن الأول، وبعضه يوجد في زمن أحدث.
4- حركات القشرة الأرضية
لقد تعرضت القشرة الأرضية على امتداد تاريخها الجيولوجي لبعض الحركات التي لعبت دورا كبيرا في تشكيلها الجيولوجي وفي توزيع المعادن ومدی تركزها في منطقة وانعدامها في منطقة أخرى.وارتفاع الطبقات القديمة ارتفاعا كبيرا ساعد عوامل التعرية على إزالة الطبقة العليا اللينة وكشف ما تضمه من معادن في صور مختلفة، قد تكون في شكل عروق أو طبقات أفقية أو مائلة.كما ساعد على تجمع البترول في الالتواءات المحدبة .كما ترتب على بعض هذه الانكسارات في القشرة تسرب المياه الجوفية حاملة معها بعض الرواسب المعدنية التي تترسب في المناطق الملائمة لها . وتعرض بعض الصخور والطبقات لعوامل الضغط والشد وملامستها لبعض التدفقات النارية ترتب عليه ازدياد في درجة حرارتها وانصهار بعضها، وبالتالي إعادة تشكيلها وتكوين بعض المعادن فيها.
5- عوامل التعرية
تلعب عوامل التعرية دورا مهما في توزيع المعادن على سطح الأرض، فهی تقوم بعمليات النحت والنقل والإرساب، كما تقوم بتفتيت بعض الصخور والمعادن ثم نقلها من مواطنها الأصلية إلى مناطق أخرى. فبعض عوامل التعرية سواء المائية أو بواسطة الرياح تسهم في إزالة الغطاء الصخري الذي يغطي الطبقات المعدنية مما يساعد على الحصول عليها بسهولة. وقد تؤدي هذه العوامل أحيانا إلى إزالة بعض المعادن من مواطنها، وبصفة خاصة المعادن الأقل صلابة.
فالمياه السطحية الجارية قد تحمل مفتتات من الرواسب المعدنية ثم ترسبها في مناطق أخرى عندما تعجز عن حملها؛ ولذلك تتركز هذه المعادن وتتجمع ويسهل بعد ذلك الحصول عليها . ومن المعادن التي يمكن الحصول عليها بسبب ذلك القصدير وأحيانا رواسب ذهبية يمكن الحصول عليها من بين الإرسابات النهرية.وتساعد المياه الجارية على إرساب طبقات من المفتتات المعدنية في مياه البحار والمحيطات والمستنقعات مكونة رواسب تضم بعض المعادن، وتسهم المياه الجارية أحيانا في جرف أشجار الغابات وإرسابها في مصباتها في البحار مكونة طبقات يمكن أن تتحول بمرور الوقت إلى طبقات من الفحم.
6- نسبة المعدن في الخام
إن نسبة المعدن في الخام تختلف من معدن لأخر، فهي مرتفعة في بعض المعادن كالحديد ومنخفضة في البعض الآخر كالذهب. فدرجة تركيز المعدن في الصخور تحدد مدى قدرة الخامات على تحمل نفقات التعدين. ولكل معدن نسب معينة، وإذا قلت هذه النسبة في الخام يتعذر استغلال المعدن من الوجهة الاقتصادية. وقد تجد الدول نفسها مضطرة لاستغلال هذه الخامات نتيجة ظروف الحرب أو تمشيا مع سياسة الاكتفاء الذاتي أو للمحافظة على الثروة القومية .
انظر ايضاً:كيفية انتاج الحديد الخام
7- بعد المعدن عن سطح الأرض
كلما كان المعدن قريبا من سطح الأرض؛ سهل تعدينه ولا يكلف كثيرا، بينما العمق الكبير يؤدي إلى تزايد الصعوبات التي تعترض الإنتاج وتؤدي إلى زيادة التكلفة.حيث تستدعي ضرورة توافر فتحات للتهوية وكثرة الداخل، وإلى ضرورة توافر أجهزة خاصة للتهوية وتكييف الهواء من حيث البرودة والرطوبة والضغط حتى يستطيع العاملون القيام بعملهم بكفاءة، وإعداد الات للحفر ولرفع المعدن من المنجم إلى سطح الأرض.
8- نسبة الشوائب في الخام
إن وجود الشوائب والمواد الغريبة في الخام لا بد من استبعادها عند استخلاص المعدن من الخام، وكلما زادت نسبة الشوائب كانت عملية استخلاص المعدن من خاماته أكثر تكلفة. وأحيانا تحول الشوائب دون استغلال الخامات المعدنية، وذلك إذا ما ارتفعت نسبتها إلى الدرجة التي يصبح معها استخلاص الخامات وفصلها عن الشوائب عملية باهظة التكاليف. وكثيرا ما توجد الخامات المعدنية في الصخور متحدة مع الكبريت أو مع الأكسجين، وكل هذا شأنه التأثير في الإنتاج المعدني. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أهم وأكبر دول العالم استهلاكا للألومنيوم، لا تقوم بإنتاجه رغم وجود البوكسيت المادة الخام للألومنيوم، وذلك لوجوده مختلطا بالكالسيوم والبوتاسيوم الذي يجعل إنتاجه غير اقتصادی حيث يرفع من تكلفة الإنتاج.
9- الاحتياطى المعدني
إن دراسة الاحتياطي المعدنی شیء مهم، نظرا لأن الموارد المعدنية غير متجددة، فالمنجم ينتهى عادة بعد فترة يتوقف طولها على حجم التكوينات المعدنية، ومعدل الاستهلاك الذي يتوقف بدوره على سهولة التعدين والطلب على المعدن، ومدى وجود بدائل يمكن أن تمتص جانبا من هذا الطلب . والمقصود بالاحتياطي هو مدى قدرة الإنسان على استغلال الخامات المعدنية الموجودة في قشرة الأرض بعمق عشرة أميال. ويستلزم الأمر ضرورة التعرف على حجم الكميات التي توجد بها المعادن في القشرة الأرضية الممثلة، وعلى عدد السنوات التي يمكن أن تستمر هذه الكميات في مواجهة الطلب عليها في ضوء الاستهلاك الحالي والمتوقع. ويقتصر نشاط الإنسان التعدینی عادة على طبقة رقيقة في أعلى القشرة الأرضية في ضوء إمكانياته الحالية، ولا يمكن التحقق من إمكانيات الإنسان مستقبلا في الوصول بنشاطه التعديني إلى اكثر من عمق عشرة أميال، رغم ارتفاع درجة الحرارة والضغط كلما تعمقنا .
نرى أن حجم الاحتياطي يعتمد على إمكانات الإنسان وحاجاته التي تساعده على استغلال الموارد المعدنية، كما تعتمد على تقدير النسب المئوية لهذه الموارد المعدنية في القشرة الأرضية وتوزيعها في هذه القشرة رأسيا وأفقيا. والاحتياطي يختلف من معدن إلى آخر، فبعض الاحتياطي مؤكد والبعض الآخر محتمل.لذلك قبل القيام بالتعدين يتحتم إعداد بیان بالاحتياطي المؤكد والمحتمل لكل معدن على حدة حتى تكون عملية الإنتاج معتمدة على بيانات دقيقة تساعد على تنظيم إنتاجه وإعداد خطط التنمية وتوفير متطلبات هذا المعدن وتحديد اتجاهاته واقتصادياته مستقبلا. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار الدور الذي تلعبه الخردة في تزويد العالم بحاجاته من المعادن، ويمكن اعتبار الخردة ضمن الاحتياطي المعدني.
ثانيا العوامل البشرية
وهي العوامل البشرية ،التي يتدخل الإنسان فيها،وتكون سبباً في التأثير على عملية انتاج واستخراج المعادن من باطن الأرض،وهي كالأتي:
1- التقدم العلمي والتكنولوجی
إن التقدم العلمي وتطبيق نتائج العلوم له تأثيره في إنتاج المعادن، فتقدم طرق التعدين أو التنقية أو النقل أو الصناعة كثيرا ما يؤدي إلى زيادة منفعة المعادن، وهذا من شأنه زيادة الطلب عليها. فلم يكن تعدين الذهب ممكنا في جنوب أفريقيا لولا تقدم طرق التعدين، والتقدم العلمي والتكنولوجي، ولما أمكن استغلال الحديد في منطقة اللورين؛ نظرا لاحتوائه على نسبة عالية من الفوسفور، ولا أمكن استخلاص الكبريت من خام البيريت لإنتاج الحديد خاليا من الكبريت ولما أمكن الوصول إلى أعماق كبيرة في باطن الأرض، ومواجهة صعوبة التهوية والإنارة ونقل الخامات المعدنية إلى سطح الأرض.
وبفضل التقدم العلمي أمكن استخدام الأقمار الصناعية في مسح الأرض عن طريق الاستشعار عن بعد، كما أمكن استخدام الوسائل الجيوفيزيائية في الكشف عن الخامات المعدنية في قيعان البحار والمحيطات. كما أمكن استخدام التفجير الذري للكشف عن المعادن بدلا من التفجير التقليدي، وأمكن تقدير الاحتياطي بدقة أكبر بفضل الأجهزة الحديثة التي لم تكن متاحة من قبل.
انظر ايضاً:طرق البحث عن المعادن من باطن الأرض
2- أهمية المعدن
أهمية المعدن تؤدي إلى استغلال خاماته مهما كانت فقيرة، كما يبدو من استغلال الذهب رغم ضآلة نسبته في الخام، وذلك لأهميته، وكذلك تظهر هذه الأهمية أثناء الحروب عندما ينقطع الاستيراد من الخارج، وتصبح الدول الى امس الحاجة إلى الاستفادة من الخامات المحلية مهما كانت تكلفة إنتاجها أو کميتها أو نسبة المعدن فيها. كما تبرز أهمية المعدن عندما تتنوع استخداماته وزيادة الطلب عليه، وبالتالي ترتفع قيمته وأهميته. كما تبدو أهمية البترول والغاز والفحم بين مصادر الطاقة رغم ظهور وتعدد مصادر الطاقة الأخرى في السنوات الأخيرة .
3- الأيدي العاملة
لليد العاملة أهمية في الإنتاج المعدنی، فهی عامل مؤثر في تكلفة الإنتاج، وخاصة أن كثيرا من مناطق التعدين توجد في مناطق قليلة السكان مثل المناطق الصحراوية والمناطق شديدة البرودة، كما هو الحال بالنسبة لولاية ألاسكا الأمريكية، ومناجم الحديد في البرادور بكندا، وحقول البترول المنتشرة في شبه الجزيرة العربية. وفي مثل هذه الحالة لا بد من العمل على جذب الأيدي العاملة ومنحها الأجور المرتفعة للعمل في هذه المناطق الصعبة، وهذا من شأنه زيادة تكلفة الإنتاج بخلاف ما إذا كانت منطقة الإنتاج في إقليم مزدحم بالسكان كالهند أو الصين أو شرق الولايات المتحدة الأمريكية أو جنوبها أو في إحدى دول غرب أوروبا .
4- وسائل النقل
لوسائل النقل أثرا مهما في الإنتاج المعدني. ولذلك فإن تركز أقاليم التعدين عادة يكون في المناطق التي تتميز بسهولة اتصالها بالأسواق الخارجية والداخلية بوسائل النقل المختلفة. ويبدو ذلك من نجاح التعدين في شرق الولايات المتحدة حيث تستغل البحيرات العظمى في النقل، كما ساعد على نجاح التعدين بالمملكة المتحدة. وكلما توافرت وسائل النقل قلت تكلفة الإنتاج، وخاصة عند نقل الخامات التي تحتوي على نسبة صغيرة من المعدن، ففي هذه الحالة يستدعی الأمر نقل كميات كبيرة من الخام في سبيل الحصول على نسبة بسيطة من المعدن . ولا يتحمل هذه التكلفة العالية لوسائل النقل إلا الخامات ذات القدرة على تحمل هذه التكاليف وذات الأهمية الاقتصادية، وإذا لم تكن كذلك فإن من الأفضل أن يتم استخلاص المعدن في منطقة التعدين تفاديا لنفقات النقل العالية .
5- رأس المال
تحتاج عمليات البحث والتنقيب عن الخامات المعدنية إلى نفقات كبيرة لمواجهة هذه المرحلة غير مضمونة النتائج. وهذا لا يمكن أن يتحمله إلا رأس المال الكبير الذي لا يتأثر في حالة الفشل في العثور على المعدن؛ ولذلك فإن هذه العمليات تقوم بها عادة الشركات ذات رءوس الأموال الكبيرة كما ذكرنا. كما أن مرحلة الاستعداد للإنتاج وما يتطلبه من إعداد المناجم أو الآبار وتجهيز أدوات الإنتاج ووسائله وتوفير المساكن والخدمات المتعددة للعاملين والتسويق تحتاج لرأس المال ؟ ولذلك تلجأ الدول النامية إلى رءوس الأموال الأجنبية في البداية للقيام بهذه المهام التي لا تستطيع القيام بها لضعف إمكانياتها. كما حدث ويحدث في البحث عن البترول في العالم العربي. وعندما يقوى اقتصاد الدولة صاحبة الحق في الإنتاج وتتوافر لديها الإمكانات والخبرات فإنها تسعى للاستغناء عن رأس المال والخبرات الأجنبية والاستعاضة عنها بالإمكانات المحلية.
6- منافسة المنتجات المعدنية
قد تتوافر لدى بعض الدول مقومات تعدين معدن من المعادن، لكنها لا تقوم باستغلاله، وذلك لتوافر بعض المعادن الأخرى الأكثر أهمية بالنسبة لها؛ وعليه فإنها تترك البعض وتتجه للبعض الآخر.
7- التدخل الحكومي
- تسعى بعض الحكومات إلى إنتاج معادن لا يمكن إنتاجها في ظل الاقتصاد الحر.
- قد تحتاج الحروب والإعداد لها أحيانا إلى إنتاج معادن رغم رداءتها أو ارتفاع نفقات إنتاجها.
- وقد تلجأ الدولة للتعدين رغم عدم توافر المقومات للإنتاج عندما تكون مرتبطة باتفاقيات معينة مع بعض الدول أو ملتزمة بتقديم إعانات البعض الدول التي تعتمد عليها.
- أن تسمح بالاستثمارات الأجنبية في مجال التعدين، أو أن تقوم بتقديم التسهيلات والدعم للمستثمرين في هذا المجال.
- مساهمتها في تسويق المنتجات محليا ودوليا، أو تقدم بعض الإعفاءات الضريبية للمنتجات.
- وضع قيودا على تصدير أو استيراد بعض المعادن.
No Comment! Be the first one.